يدب القلق في نفوس كثير من الناس على
أرزاقهم، مع وقف أعمال المصانع والشركات بسبب انتشار فيروس كورونا، واقتراب هلال شهر رمضان، وعندما تضيق فرص المعيشة تقل الوظائف، أو تسرح الشركات موظفيها، أو بعضهم، أو تخفض من رواتبهم، أو يتأخر صرفها، ونحو ذلك، فإن القلق يساور الكثيرين، وبالذات أصحاب الأسر والأولاد، والذين عندهم مسؤوليات، وأناس ينفقون عليهم، ويريد هو أيضًا أن يعيش ويتزوج، ويسكن، ويفرش السكن، ونحو ذلك.
وأصبح الاضطرابات النفسية تصيب أكبر من نصف سكان العالم، وثلث البشر مصابون بالقلق، نتيجة الركود الاقتصاديي غير المسبوق، خلال هذه الأزمة، خاصة وأن جزء كبير من القلق متعلق بقضية الرزق، وتوفير الاحتياجات الأساسية والمتطلبات، وخصوصًا في زمن يوجد فيه فواتير للصرف وأبواب لم تكن من قبل في الإنفاق على الصحة والتعليم، وغير ذلك من الاحتياجات.
ظهار أخبار متعلقة
وقد فصل الله سبحانه وتعالى في قضية الرزق من فوق سبع سماوات، قائلا: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [سورة الذاريات:56 – 58].
فيحتاج المسلم إلى نصائح وتطمينات بشأن هذا القلق واليقين: بأن الله -سبحانه وتعالى- قد ضمن أرزاق العباد، هذا ركن أساس في معالجة هذا القلق، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [سورة الذاريات:58].
فعندما نؤمن أن الله خلق الأرض ومن عليها، وأوجد للعباد ما يكفيهم وزيادة، حتى الكائنات غير العاقلة الدواب: وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ [سورة العنكبوت:60] لا تطيق جمعه وتحصيله، ولا تؤخر شيئًا لغد اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ [سورة العنكبوت:60] يقيض لها الرزق على ضعفها، وييسره لها، ويخرجه، ويبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يصلحه، حتى الذر في قرار الأرض، والطير في مرتفعات الجو والهواء، هذا رزق الله لا يستطيع أن يمنعه أحد، إذا أرادك الله برَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا [سورة فاطر:2]، رزق الله لا يرده كراهية كاره.
كيف نلتمس الرزق في هذه الأيام؟
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ رِزْقُهُ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ".
والرحم قرابة الرجل جهة أمه ومن جهة أبيه أيضاً، وتوسع بعض العلماء في مفهوم الرحم فقالوا: إن أفراد القبيلة إن عاشوا وسط قبيلة أخرى فهم رحم حتى يعودوا إلى ديارهم.
وقد أوصى الله في كتابه العزيز بصلة الرحم وحذر من قطيعتها، فقال جل شأنه: { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا } (سورة الإسراء: 26-28).
والأمر في قوله تعالى: { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ } للوجوب؛ لأن البخس في الحقوق ظلم، والظلم قد حرمه الله على نفسه، وجعله بين عباده محرماً.
وحق ذوي القربى يتمثل في برهم والإحسان إليهم والعطف عليهم، ووصلهم بالزيارة والسؤال عنهم، والدعاء لهم والبشاشة في وجوههم، والدفاع عنهم في حضورهم وغيبتهم، وتنفيس كرباتهم بقدر الوسع والطاقة، والوقوف معهم في ظل هذه الأزمة، وكفالة الفقراء منهم، والسؤال عنهم.
وعند العجز عن قضاء حاجة من حوائجهم يعتذر إليهم اعتذاراً مهذباً، وبعدهم وعداً حسناً، ويقول لهم قولاً ميسوراً، أي مقبولاً مرضياً لا يجرح المشاعر ولا يحرج السائل.
وقال عز شأنه: { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } (سورة النساء: 1).
وقال الله تبارك وتعالى: { وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا } (سورة الأحزاب: 6).
والبسطة في الرزق يكون بالبركة فيه، بحيث يتذوق المرزوق حلاوته، ويجد نفعه ظاهراً لديه غير خافٍ وعليه، ويوفق لشكر الله تبارك وتعالى على ذلك، فينال بهذا البسط ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة.
فقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –: "مَنْ سَرَّهُ" ترغيب في صلة الأرحام، وتبشير بثواب الله على ذلك في الدنيا بالبركة في الرزق والعمر، وثواب الله في الآخرة، وهو خير وأبقى.
وقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – "فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" أمر جامع لكل أنواع البر والإحسان فمن وصل رحمه كما أمر الله عز وجل فهو من خيار المؤمنين، وهو من أولي الألباب الذين فتح الله لهم أبواب المعرفة، وأمدهم بالحكمة؛ وذلك لأن صلة الأرحام تحتاج إلى خبرة وفطنة، وحكمة وصبر ومجاهدة، فإن الأقارب كثيراً ما يقابلون الحسنة بالسيئة ولا يرضون بما أوتوا مهما كان كثيراً، ولا يشكرون من أسدى إليهم معروفاً كما ينبغي أن يكون الشكر، إلا من عصمه الله من ذلك.
كما ينبغي أن يلتف المسلمون حول بعضهم بعضا، وأن يتركوا النزاع والشقاق، وأن يبادروا بالقرب والسلام، وعلى المسلم أن يصنع في أقاربه معروفاً ولا ينتظر منهم أن يقابلوا معروفه بمعروف مثله، ولا ينتظر منهم أيضاً أن يشكروه على ذلك وأن يعود نفسه على أن يحسن لمن أساء إليه، فمن أحسن لمن أساء إليه كان أعبد الناس.
روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونَني، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: "لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلت، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ، مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ".
يرشدنا النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إلى ما فيه سموه عند الله وعند الناس، فليس هناك أعظم من حسن الخلق، فيقول له: "لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلت، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ" وهو الرماد المحمي.
وهذا كناية عن مضاعفة أجره عند الله ومضاعفة العذاب لهم، ثم يبشره بالنصر عليهم في آخر الأمر مادام على بره بهم وإحسانه إليهم وصبره عليهم.
فيقول النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –: "وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ – أي ناصر ومعين - مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ".