ربما تختلف السلوكيات التي تصدر من الناس عن مكنونات صدورهم وما تخفيه قلوبهم، فقد تتظاهر بالحب لهذا وبالمعاملة الحسنة مع ذاك وتزين لسانك بأحسن الكلمات وأرقها وهذا جيد، ولكن قد يكون هذا مدفوعا بالمصلحة التي تجنيها يدك من وراء هذا السلوك أو المعاملة وليست لوجه الله أو تعبيرا عن حبك لهذاالشخص، لأن الكاشف الحقيقي لعلاقتك بغيرك هو ما يختفي قلبك وخفت أن يطلع عليه الناس.
لذلك جعل الله سبحانه وتعالى القلب السليم هو جواز المرور إلى رضوان الله تعالى وجنته {يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم}.
فنبه الشرع على سلامة القلب وخلوصه لله، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
وروى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".
والراسخون في العلم يدعون الله تعالى أن يحفظ قلوبهم من الزيغ: {ربنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا. وهبْ لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب}.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُكْثر من القول: "يا مقلّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك" رواه أحمد والترمذي.
آفات القلب التي تكشف لك من أنت؟
1- حب الشهرة والظهور، وهو ما يعبِّر عنه السلف بحب الشرف. وفي الحديث: "ما ذئبان جائعان أُرسلا في حظيرة غنم بأفسد لها من حب المال والشرف لدين المرء" أي إن إفساد هذين الذئبين لا يبلغ ما يفسده من دين المرء: حبُّه للمال والشهرة.
فحرص المرء أن يقال إنه جواد، أو شجاع، أو عالم... يحبط عمله!
2- الحسد والبغي والرغبة في إيقاع الأذى بالأقران المنافسين، وقد يبلغ الأمر ببعض القلوب المريضة، أن تستعدي رؤساءك في العمل أو زملائك على هؤلاء المنافسين!!.
3- التحقير لعمل الآخرين، فكلما عُرض على صاحب القلب المريض عمل غيره حط من قدر إخوانه وزملائه وأقرانه وهو السبيل الذي يسلكه إلى التسلُّق والظهور.
4- اغتنام الفرص، أو افتعال الفرص، من أجل ذكر مناقب نفسه، وتعداد فضائله، والتفاخر بنجاحاته.
اقرأ أيضا:
لماذا أجر الصوم مضاعف في رمضان؟كيف تطهر قلبك؟
1/الدعاء: "اللهم طهّر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
اللهم لا توجّه قلوبنا إلا إليك، ولا تجعل اعتمادنا إلا عليك.
اللهم توفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين.
2/ المراقبة فما أحرى المسلم بعد هذا أن يراقب قلبه حتى لا تدخله شوائب الشرك والرياء والعجب والحسد!!
قال أبو عبد الله محمد بن يوسف لعبد الرحمن بن مهدي: "حدِّث الناس وعلِّمْهم، ولكن انظر إذا اجتمع الناس حولك كيف يكون قلْبُك؟!" (يخاف عليه العُجب والغرور!.) وقد قام عبد الرحمن مرة من مجلس وقام معه ناس وتبعوه فقال: يا قوم! لا تطؤوا عقبي، ولا تمشوا خلفي... قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن خَفْق النعال خَلْف الأحمق قلَّ ما يُبقي من دِينه!
وقال ابن أبي مُلَيكة: "أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كلُّهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكال!.
فإن الإخلاص لله، أن تراقب قلبك فتكون رؤية الناس عندك مثل غيابهم، لا تزيد في عملك ولا تنقص منه، أي أن تعمل العمل وأنت تراقب الله تعالى وحده، ولا تعبأ برؤية الناس زيادة أو نقصاً!.