زار الإمام الشافعي الإمام أحمد بن حنبل -رحمة الله عليهما- ذات يوم في داره ، وكانت
للإمام أحمد ابنة صالحة تقوم الليل وتصوم النهار وتحب أخبار الصالحين والأخيار،
وتود أن ترى الشافعي لتعظيم أبيها له ، فلما زارهم الشافعي فرحت البنت بذلك ،
طمعاً أن ترى أفعاله وتسمع مقاله .
وبعدما تناول طعام العشاء قام الإمام أحمد إلى صلاته وذكره ، والإمام
الشافعي مستلقٍ على ظهره، والبنت ترقبه إلى الفجر ، وفي الصباح قالت بنت الإمام أحمد
لأبيها :
يا أبتاه ... أهذا هو الشافعي الذي كنت تحدثني عنه ؟
قال : نعم يا ابنتي .
فقالت : سمعتك تعظم الشافعي وما رأيت له هذه الليلة .. لا صلاة ولا
ذكراٍ ولا ورداً؟
وقد لا حظت عليه ثلاثة أمور عجيبة ، قال : وما هي يا بنية ؟
قالت : أنه عندما قدمنا له الطعام أكل كثيراً على خلاف ما سمعته
عنه ، وعندما دخل الغرفة لم يقم ليصلي قيام الليل ، وعندما صلى بنا الفجر صلى من
غير أن يتوضأ .
فلما طلع النهار وجلسا للحديث ذكر الإمام أحمد لضيفه الإمام
الشافعي ما لاحظته ابنته ، فقال الإمام الشافعي رحمه الله :
يا أبا محمد لقد أكلت كثيراً لأنني أعلم أن طعامك من حلال ، وأنك
كريم وطعام الكريم دواء ، وطعام البخيل داء ، وما أكلت لأشبع وإنما لأتداوى بطعامك
، وأما أنني لم أقم الليل فلأنني عندما وضعت رأسي لأنام نظرت كأن أمامي الكتاب
والسنة ففتح الله عليّ باثنتين وسبعين مسألة من علوم الفقه رتبتها في منافع
المسلمين ، فحال التفكير بها بيني وبين قيام الليل ، وأما أنني صليت بكم الفجر
بغير وضوء ، فوالله ما نامت عيني حتى أجدد الوضوء . لقد بقيت طوال الليل يقظاناً ،
فصليت بكم الفجر بوضوء العشاء . ثم ودّعه ومضى .
فقال الإمام أحمد لابنته : هذا الذي عمله الشافعي الليلة وهو نائم
( أي مستلقٍ ) أفضل مما عملته وأنا قائم .
ويروى عن الإمام أحمد أنه قال :ما صليت صلاة منذ أربعين سنة إلا وأنا أدعو للشافعي ، وقال ابنه :
يا أبتِ أيُّ رجلٍ كان الشافعي حتى تدعو له كل هذا الدعاء ؟
قال : يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا والعافية للناس ، فانظر يا
بني هل من هذين خلف؟ هكذا كان العلماء الصالحون كالشمس للدنيا والعافية للناس وليس
منهما خلف ..فإن الله يدفع بهم البلاء ويُنزل الرخاء ، وتعمّ البركة وتُنشر الرحمة .
وقال عبد الملك بن عبد الحميد الميموني :كنت عند أحمد بن حنبل وجرى ذكر الشافعي ، فرأيت أحمد يعظمه ، فقال :ذُكر عن النبي صلى الله عليه وسلم :
" أن الله عز وجل يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة رجلاً يقيم لها أمر
دينها " فكان عمر بن عبد العزيز على رأس المائة ، وأرجو أن يكون الشافعي على
رأس المائة الأخرى .