يا من تتصور أنك تمر بظروف صعبة هذه الأيام، مع ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، وغيرها من الأمور الصعبة، برغم كل ذلك، إياك أن تيأس، بل احتسبها اختبارات من الله عز وجل، وأنك ستكون على قدر المسئولية، وستنجح في الاختبار رغم الصعوبات، ذلك أن الله بذاته وجلاله، يقسم بأنه بعد العسر يسرًا.

وعندما يقسم ربك مرتين متتاليتين: «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)»، فاصبر وثق بفرج الله، أي أنه مع الشدة التي كان فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، من جهاد المشركين سيأتي اليسر والرخاء بأن يظهرك عليهم حتى ينقادوا للحق الذي جئتهم به ، ومن ثم جاء التكرار لتأكيد الوعد وتعظيم الرجاء.

بشرى من الله

تخيل أن هذه الآية إنما تتضمن البشرى كل البشرى للمسلمين، إذ يقول الإمام الحسن رحمه الله، إنه لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أبشروا ، قد جاءكم اليسر ، لن يغلب عسر يسرين»، وفي ذلك قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : «لو كان العسر في جحر لطلبه اليسر حتى يدخل ، إنه لن يغلب عسر يسرين».

وفي ذلك يبين العلماء أن العسر جاء معرفة بينما اليسر جاء نكرة ، ومن ثمّ وجب أن يكون عسر واحد ويسران، وبالتالي فإن مجاز قوله : "لن يغلب عسر يسرين"، أن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد كانت قريش تعايره لفقره، حتى قالوا، إن كان بك طلب الغنى جمعنا لك مالا حتى تكون كأيسر أهل مكة ، فاغتم النبي لذلك ، فظن أن قومه إنما يكذبونه لفقره ، فعدد الله نعمه عليه في هذه السورة ، ووعده الغنى ، ليسليه بذلك عما كان يخامره من الغم ، فقال : " فإن مع العسر يسرا " ، أي لا يحزنك ما يقولون فإن مع العسر يسرا في الدنيا عاجلا ثم أنجزه ما وعده ، وفتح عليه القرى العربية ووسع عليه ذات يده ، حتى أنه كان يعطي المئتين من الإبل كهبات.

اقرأ أيضا:

بلقيس.. ملكة هداها ذكاؤها إلى الإيمان وحماية مملكتها من حرب خاسرة

اليسر قادم

فاليسر قادم لا محالة، فقط علينا أن نثق ونؤمن في الله عز وجل، ولتأكيد هذا الوعد الإلهي، فقد ذكر الله ذلك في كتابه، فقال تبارك وتعالى: « سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا » (الطلاق: 7)، فإذا نزلت الابتلاءات بالناس، واشتد البأس بهم وظنوا الهلاك، أسعفهم اللهُ تعالى باليُسر، ودفع عنهم البَلاء، ورفع عنهم المحنة.

 وتلك سنة الله تعالى مع رسله وأوليائه المؤمنين، كما قال تعالى عن السابقين منهم: «مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ » (البقرة: 214)، وقال في آية أخرى: « حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ » (يوسف: 110).