هل تؤجر الفتاة على القيام بأعمال المنزل في بيت والديها أو زوجها؟
بقلم |
فريق التحرير |
الجمعة 21 نوفمبر 2025 - 06:15 م
ما هي واجبات الفتاة في البيت وخارجه، سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة؟ وهل تُؤجر الفتاة إذا قامت بأعمال المنزل مثل التنظيف، والطبخ، والغسيل، والكي وغيره؟ وهل يجوز أن تصبر على هذه الأعمال وتحتسب الأجر فيها؟ وكيف يمكن أن أجعل نيتي خالصة لأجل نيل الأجر من الله تعالى في هذه الأعمال اليومية؟ وهل يصح أن أحتسب الأجر في كل عمل أقوم به، حتى في الأمور الصغيرة مثل الجلوس أو المشي أو غيرها، إذا نويت بها وجه الله؟ سمعت كذلك عن مفهوم “النية الذكية”، فهل يدخل هذا في الباب نفسه؟
الجواب:
تبين لجنة الفتوى بسؤال وجواب أنه لبيان هذ المسألة يلزم معرفة هذه التفاصيل:
أولاً:
تجب طاعة البنت لأبويها فيما يتعلق بالخدمة، ما دامت في بيت أبيها بالمعروف.
والذي تؤمر بها في بيت أهلها : هو ما تقدر عليه من الخدمة العامة للبيت ، والقيام عليه، بحسب ما اعتادته الأمهات من تكليف بناتهن بذلك ، وتدريبهن على القيام بأمر البيت، وقضاء حوائجه، من طبخ ، وتنظيف، ونحو ذلك .
وتوضح: أما قضاء الحاجات الخاصة بأفراد الأسرة : فإن كانت حاجة أبويها، فهي واجبة عليها ، متى أمراها بذلك، وكانت قادرة عليه؛ لأنها من تمام برهما، وطاعتهما .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وَيَلْزَمُ الْإِنْسَانَ طَاعَةُ وَالِدِيهِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ ، وَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ أَحْمَدَ ، وَهَذَا فِيمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُمَا وَلَا ضَرَرَ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَضُرَّهُ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا".
انتهى من "لفتاوى الكبرى".
وقال أبو عمرو ابن الصلاح رحمه الله: "طَاعَة الْوَالِدين وَاجِبَة فِي كل مَا لَيْسَ بِمَعْصِيَة ، وَمُخَالفَة أَمرهمَا فِي كل ذَلِك عقوق" .
وتضيف: أما الحاجات الخاصة ببعض إخوانها، وطاعتها لهما في ذلك : كأن تكوي له ملابسه، أو تهيئ له شيئا خاصا به : فهذا إنما هو من البر والإحسان، وإكرام الأخ ، وحسن العشرة التي اعتادها كثير من الناس في بيوتهم ؛ إلا أنه ليس من الواجب عليها، إلا أن يكون شيئا تعتاد الأم في البيت أن تفعله بنفسها، فأمرت ابنتها به، فتفعله لأجل أمر والدتها.
وإذا كان بذلك الجانب: إحسانا، ومعروفا تندب إليه ، فإنها لا تكلف من ذلك بما يشق عليها، أو يرهقها، أو يشغلها عن شأنها الخاص، من عبادة، أو مذاكرة، أو نحو ذلك.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ رواه البخاري.
على أننا ننصحك بأن تجتهدي في كسب ود إخوانك، والإحسان إليهم قدر استطاعتك، وأن تتركي تنظيم تلك الأمور، وإصلاح أمر الأسرة إلى أبويك .
ثانياً:
تُؤجر الفتاة إذا قامت بأعمال المنزل مثل التنظيف، والطبخ، والغسيل، والكي وغيره، إذا كانت لها نية صالحة في ذلك، ورجت الثواب من عند الله .
لأنها بين أن تعمل واجباً، أو مستحباً ، لأبويها أو زوجها أو أهلها أو ضيوفها.
وإذا صبرَت على هذه الأعمال واحتسبت الأجر : فلها الأجر بقدر مشقتها.
فكلما زادت المشقة ، زاد معها الأجر والثواب ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها : إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك رواه الحاكم في المستدرك
وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" ، والحديث بلفظ آخر عند البخاري، ومسلم.
ثالثاً:
لتحقيق الإخلاص في نيتك، ونيل الأجر من الله تعالى في أعمالك اليومية، ينبغي أن تقصدي بها وجه الله وحده، وابتغاء ثوابه، دون طلب مدح الناس أو ثنائهم، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان/ 9] .
وينبغي عليك أن تستحضري بطبخك نية "إطعام الطعام"؛ و"طبخ العام": داخل في ذلك العمل الصالح، إن شاء الله.
حتى لو عملت الأكلات المحببة للنفس التي لا ضرر فيها، كالحلا مثلاً، لإدخال السرور في قلوب من في البيت: فلك أجر على العمل بهذه النية الصالحة، إن شاء الله.
وكذلك؛ فإن البيت إذا لم يكن نظيفاً لم يستطع الناس أن يعيشوا فيه، وكذلك تغسيل الأواني وغيرها فاحتسابك بتنظيف البيت وغسل الأواني له أجر عظيم.
وكل ذلك مما يدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم : إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى رواه البخاري (54)، ورواه مسلم في الإمارة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " المباح بالنية الحسنة يكون خيرا ، وبالنية السيئة يكون شرا ، ولا يكون فعل اختياري إلا بإرادة " "مجموع الفتاوى".
وقال الإمام النووي رحمه الله - في تعليقه على حديث : (وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها ، حتى ما تجعل في فيّ امرأتك) رواه البخاري - : " إذا وضع اللقمة في فيها، فإنما يكون ذلك في العادة عند الملاعبة والملاطفة، والتلذذ بالمباح؛ فهذه الحالة أبعد الأشياء عن الطاعة وأمور الآخرة ، ومع هذا فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه إذا قصد بهذه اللقمة وجه الله تعالى= حصل له الأجر بذلك "شرح النووي على مسلم".
فعندما تقترن العادة الحسنة بنية صالحة خالصة، فإنها تتحول مباشرة إلى عبادة تزيد من أجر صاحبها في الحسنات، وتحط عن كاهله السيئات، ولهذا جاء عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: "إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي" رواه البخاري ، وأوصى الإمام أحمد رحمه الله ابنه عبد الله قائلاً: "يَا بُني انو الخَير فإِنك لا تزالُ بخير ما نَوَيْتَ الخَير" . "الآداب الشرعية".
رابعاً: ويصح أن تحتسبي الأجر في كل عمل تقومين به، حتى في الأمور الصغيرة مثل الجلوس أو المشي أو غيرها، وحتى في المباحات إذا نويت بها وجه الله.
فالمباح إذا قصدت به الثواب لعمل مطلوب شرعاً أُثِبْتِ عليه، كما تقدم.
فجلوسك إذا نويت به الاستراحة حتى تتقوين للطاعة بالعبادة، أو بأداء عمل البيت الواجب أو المستحب؛ فلك أجر.
عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة يحتسبها كانت له صدقة رواه البخاري ومسلم .
فنفقة الرجل على زوجته وأولاده واجب شرعي ، ولا يثاب عليها إلا إن قصد الاحتساب .
قال القرطبي، رحمه الله : "أفاد منطوقه: أن الأجر في الإنفاق إنما يحصل بقصد القربة، سواء كانت واجبة أو مباحة.
وأفاد مفهومه: أن من لم يقصد القربة لم يؤجر، لكن تبرأ ذمته من النفقة الواجبة"