تقول الحكمة: « إن الطيبين لا يلتقون صدفة، بل تجمعهم نواياهم الطيبة»، والنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم يقول عن التآلف بين أصحاب القلوب الطيبة: «الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف»، وهو ما يعني أن تعارفها لهو أمر من الله عز وجل، وقيل إنها موافقة صفاتها التي جعلها الله عليها وتناسبها في شيمها، وقيل لأنها خلقت مجتمعة ثم فرقت في أجسادها.
وقال العلماء في تفسير الحديث: «يعني تآلفها هو ما خلقها الله عليه من السعادة أو الشقاوة في المبتدأ وكانت الأرواح قسمين متقابلين، فإذا تلاقت الأجساد في الدنيا ائتلفت واختلفت بحسب ما خلقت عليه فيميل الأخيار إلى الأخيار والأشرار إلى الأشرار».
أما قول الله عز وجل: «الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ۚ أُولَٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ» (النور 26)، فإنها تعني أن كل خبيث من الرجال والنساء والأقوال والأفعال مناسب للخبيث ومستحق له، وأن كل كل طيِّب من الرجال والنساء والأقوال والأفعال مناسب للطيب ومستحق له.
فالقلوب الطيبة كأنها تنادي بعضها البعض، وتتآلف وتجتمع على الحق لاشك في ذلك، لأن الكلم الطيب لا يأتي إلا بطيب بكل تأكيد، بل ويظل في الأرض ينبت ويكبر، ومن ثم يتلاقى كأوراق الشجر.
قال تعالى: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ (26)» (سورة إبراهيم).
اقرأ أيضا:
7فضائل للصبر علي المعاصي .. من داوم عليه خيره الله من الحورِ الْعِينِ أَيَتُهنَّ شَاءَالفأل الطيب
أصحاب هذه القلوب الطيبة، هم أهل الفأل الطيب، كما وصفهم النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، حيث قال: «ويعجبني الفأل، قيل وما الفأل؟ قال الكلمة الطيبة».
ويقول عليه الصلاة والسلام أيضًا: «أفش السلام، وأطب الكلام، وصل الأرحام، وصلي بالليل والناس نيام تدخل الجنة بسلام»، من يتبع هذا الإرشاد النبوي ويسير على خطى النصبي صلى الله عليه وسلم، يجمع الله عز وجل بينهم وإن تباعدت بينهم المسافات، فعند الله لا شيء يخضع لقانون الصدفة، بل كل شيء وفق ترتيبه وإعداده.