المواساة.. ذلك الفعل النبيل الذي لا يتسم به إلا أعاظم الناس، ويعكس مشاعر الرقي لدى الإنسان، والتي يشكو الكثيرون من فقدانها في زماننا، كما كان في السابق حين كان الكل يواسي بعضه، ولا يترك الناس أحدهم وهم يعلمون أنه مهمومًا إلا وواسوه فيما أصابه.
لكي نتعلم كيفية المواساة، علينا أن نعلم ما هو أجمل ما قيل في المواساة: «الله قدر هذا.. والله كفيل به».. ولنعلم أيضًا أن المواساة إنما هي أمر إلهي.
قال تعالى: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ » (المائدة: 2)، فأنت كمسلم مطالب أن تواسي أخيك المسلم في محنته، وما أكثرها هذه الأيام، المحن والهموم، فترى جارك يمر بأزمة نفسية لسبب مرض أو عارض أصابه، وأنت تجلس في بيتك لا تريد حتى أن تواسيه ولو بكلمه.
المواساة ليست في مال تضعه في جيبه ربما ابتسامة بسيطة كان ينتظرها منك وأنت حرمته منها.. فاحذر لأن الأيام دول!.
المواساة بالفعل والقول
المواساة كما قلنا ليست بالمال أبدًا، وإنما بالفعل، وهذا الفعل يتباين ما بين كلمة طيبة، والمساندة بالجهد والنفس، وبالطبع بالمال إذا اقتضت الضرورة، والتاريخ الإسلامي يعلمنا أنه كان هناك من واسوا غيرهم بكل شيء، بالمال والجهد والنفس، وحتى بالأرض.. وهم الأنصار الذين ناصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، فمنحوهم كل شيء، من مال ومساندة وكلمة طيبة، وحتى بيوتهم وأراضيهم تنازلوا عنها للمهاجرين.
فأنزل الله عز وجل في حقهم قرآنًا يتلى حتى يوم القيامة، قال تعالى: «وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » (الحشر: 9).
الإيثار
أيضًا هناك المواساة بالإيثار، وهي بالتأكيد ما فعله الأنصار مع المهاجرين، والذي للأسف قل هذه الأيام جدًا، والمؤثرون على أنفسهم هم الذين يقدمون راحة غيرهم على راحتهم هم، قال تعالى: «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ » (الحشر: 9).
أيضًا هناك من يسأل عن الناس، ويسعى جاهدًا لأن يخفف عنهم أحوالهم المعيشية، ومن ذلك الكثير من الجمعيات الخيرية التي تقوم على مساعدة الفقراء في شتى أرجاء مصر، وهم الذين يقول المولى عز وجل في حقهم: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا » (الإنسان: 8، 9).
لكن هنا النية هي الأساس، فمن أعطى الناس وكانت نيته الخير، كان من هؤلاء الذين قال فيهم المولى عز وجل الآية السابقة.. فاحذر لنواياك عزيزي المسلم، وواسي الناس بما يليق.
اقرأ أيضا:
آيات قرآنية تحصن بها نفسك من السحر والجن