الثمار.. تلك النعم التي منحنا الله عز وجل إياها، وفضل بعضها على بعض في الأكل، قال تعالى: «وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ».. ربما الكثير منا ذاق حلاوة طعم هذه النعم، لكن من منا ذاق حلاوة طعم ثمرة أخرى، أكثر جمالا؟.. أكثر زهوًا.. أكثر استمرارًا.. وهي ثمرة الصبر!
قد يتصور البعض للأسف أن الصبر حالة من حالات الضعف والجبن، ولكن هذا من يبرر استعجاله، بينما من عاش الصبر وذاق حلاوته، علم تمام اليقين أنه تمام القوة، القوة على التحمل.. والقوة في الإيمان بالله عز وجل، فهؤلاء الصابرون إنما يوفون أجورهم بغير حساب، قال تعالى: « أُوْلَـئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً» (الفرقان:75).
عظيم أجر الصبر
الجنة بأساسها خلقها الله عز وجل للصابرين، هؤلاء الذين لم تغرهم الحياة الدنيا، ولم تخطفهم زينتها وغرورها، قال تعالى عن أهل الجنة: «سَلاٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ» (الرعد:24).. وما ذلك إلا لأن الصبر هو المحك الرئيس لصدق العبد في احتساب مصيبته عند الله، يقول المولى سبحانه تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ ٱلاْمَوَالِ وَٱلاْنفُسِ وَٱلثَّمَراتِ وَبَشّرِ ٱلصَّـاٰبِرِينَ ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَـٰابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ راجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰاتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ» (البقرة:155-157)، بالتأكيد ما من إنسان إلا ويمر بتجربة اختبار ما، لكن قليلون هم من يستطيعون تحمل التجربة، والخروج منها فائزون.. لأنهم انتصروا على أنفسهم أولا ثم على مرارة التحمل.. لهذا كان وعد الله عز وجل لهم عظيمًا.
اقرأ أيضا:
الأدلة على أن النبي يردّ السلام على من يُسلم عليه!جملة تعلم الصبر
الإسلام علم أبناءه أنه بجملة واحد يقولها المرء، يعلن بها رضاؤه التام على قضاء الله عز وجل مهما كان، ويعلن بها أيضًا صبره على هذا القضاء، مجرد أن تردد جملة: «إنا لله وإنا إليه راجعون».. كأنها علاج لكل من أصيب بمصيبة جليلة، والإعلان عن أن مصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق ولا أحد سواه سبحانه.
المؤمن الفطن يوقن أن الصبر على البلاء إنما يرفع عنه جهد الشقاء، ويرفع من قدره عند الله عز وجل، ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، قال: «ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه ».. وهو ما أكده المولى عز وجل في قوله تعالى: «مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى ٱلأَرْضِ وَلاَ فِى أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِى كِتَـٰابٍ مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ لّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا ءاتَـٰاكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور» (الحديد:22، 23).