تعرف التقوى لغةً بأنها من الوقاية، وهي الصون والحماية لشئ من ما أو من شئ ما و التقوى اصطلاحاًتسير في إطار أن يجعل المسلم وقايةً بينه وبين غضب الله وسخطه؛ وذلك باتّباع أوامره وطاعته سبحانه وتعالى، واجتناب ونواهيه. وعرفها الكثير من العلماء في السياق ذاته بأنها عبادة الله بفعل الأوامر، وترك النواهي عن خوفٍ من الله، وعن رغبةٍ فيما عنده، وعن خشيةٍ له سبحانه، وعن تعظيمٍ لحرماته، وعن محبةٍ صادقةٍ له سبحانه ولرسوله عليه الصلاة والسلام.
وكان للخليفة الراشد الرابع سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه تعريف جامع مانع للتقوي حيث أشار إليها بالقول : هي الخوفُ من الجَليل، والعملُ بما في التنزيل، والاستعدادُ ليوم الرَّحيل
ويعني تعريف أمير المؤمنين للتقوي بأنّها الخوف من الله تبارك وتعالى، وهذا الخوف يَستلزمُ عبادته سبحانه حقَّ العبادة وحده لا شريك له، والعمل بما جاء في القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة من أوامر، والابتعاد عما فيهما من نواهٍ وزواجر؛ فما ورد في السنّة من أوامر ونواهي لا تَقلّ في الأهميةِ وفي الاستدلال الشرعي عن الأوامر والنواهي الواردة في القرآن الكريم بحسب تفسير الكثير من الفقهاء لهذا القول
ومن البديهي الإشارة هنا إلي أن لتقوى محلها القلب , وهي شعور يضع صاحبه في حالة حرص ومراقبة على سلوكياته حتى يأتي بها موافقة لما أمر الله , بعيدة كل البعد عما نهى الله عنه , وفي حالة حب يأنس فيها العبد بربه وينعم برضوانه فإذا تحقق المرء بالتقوى في شئونه كلها نال ثمرتها العظيمة التي تضمن له السعادة في الدنيا والنجاة والفوز في الآخرة.
ولهذه العبادة اللصيقة بطاعة الله ثمار عديد أجمع عليها الفقهاء والعلماء يأتيفي مقدمتها بحسب الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الديار المصرية السابق حصول محبة الله تعالى , قال تعالى: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ
كذلك من ثمار التقوي نزول رحمة الله تعالى في الدنيا والآخرة , قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) ، وقال: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون "َ)
أما ثالث ثمار التقوي فتتمثل في الدخول في معية الله ونصره مصداقا لقوله تعالي سبحانه: "إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) ، وقال: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ.
ثمار التقوي التي تقتصر علي المنح الروحانية بل تمتد كذلك إلي الأمور المعنوية فعبر تقوي الله يحصل الأمن من الخوف والحزن , قال تعالى: (فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) ، وقال: (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
وبالعودة إلي الثمار الروحانية للتقوي يجدر بنا القول أنها تدنيك من الحصول علي نور وبصيرة في القلب يميز بها الإنسان بين الخير والشر والحق والباطل , قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا), وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
الحصول السعة والبركة في الرزق تبدو حاضرة بقوة كأبرز ثمار التقوي فقد قال تعالى: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ" وكذلك ، وقال: "وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ"
ولا يغيب عنا في في سياق رصد ثمار التقوي التعرض لتفريج الهموم والكروب , قال عز وجل: "وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًاولا يغيب.
ومما يزيد الأمر تشويقا ويدفع المسلم الي لزوم التقوي أن من أبرز ثمارها رد كيد الأعداء والنجاة من شرهم , قال تعالى: "وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
وقوله تعالي كذلك تاسع ثمار التقوي بحسب إجماع العلماء تسير في إطار حسن العاقبة والخاتمة في الدنيا والآخرة , قال تعالى: "وَالعَاقِبَةُ للمتقين لِلْمُتَّقِينَ", وقال: "مَثَلُ الجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الكَافِرِينَ النَّارُ
10 – أما أخر ثمار التقوي فكونها تعد سبب في قبول العمل , قال تعالى: "إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ" ، وقوله كذلك في كتابه الكريم وهو أصدق القائلين :" لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُم" وهي ثمار تدفعنا الي لوزم تقوي الله والفوز برضائه ودخول جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين