أخبار

ما الحكمة من موت الفجأة لبعض الناس دون أية مقدمات؟ (الشعراوي يجيب)

ليس كل الكذب مرفوضًا.. تعرف على الكذب المحمود

من هم أهل الحوض الذين سيشربون من يد النبي الشريفة يوم القياية؟ وماذا كانوا يفعلون؟

كيف تعرف خروج الكلام من القلب دون غيره؟

"لا يكلف نفسًا إلا وسعها".. تقصير الأبناء متى لا يكون عقوقًا للوالدين؟

أترضاه لأمك؟.. ماذا نفعل مع شواذ الأخلاق وخوارج الفطرة؟

تعرضت للتحرش 4 مرات في طفولتي ومراهقتي وأكره نفسي وأفكر في الانتحار وقتل رضيعتي.. أرشدوني

العفو من شيم الصالحين.. كيف أتخلق به؟

أتذكر المعصية بعدما تبت منها.. كيف أحفظ خواطري؟

تعرف على منزلة النية وأثرها في قبول الأعمال

هل هناك أسماء حسنى لله غير التي نعرفها؟ (الشعراوي يجيب)

بقلم | فريق التحرير | الجمعة 25 ديسمبر 2020 - 12:00 م

"اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ" (البقرة: 255)


يقول العلامة الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي:


( الله لا إله إلا هو الحي القيوم) وقلنا إن الله علم على واجب الوجود، وعلم واجب الوجود هو الاسم الذي اختاره الله لنفسه وأعلمنا به.

ولله أسماء كثيرة كما رُوي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين سأل الله بكل اسم هو له، أنزله في كتابه أو علّمه أحداً من خلقه أي بخصوصية، أو استأثر به في علم الغيب عنده.

فلا تظننّ أن أسماء الله هي كلها هذه الأسماء، ولكن هذه الأسماء هي التي أذن الله سبحانه وتعالى أن نعلمها.

ومن الجائز، أو نص الحديث يفيد أن الله قد يعلم بعض خلقه أسماء له، ويستأثر لنفسه بأسماء سنعرفها يوم القيامة حين نلقاه.

حين نتكلم عن الأسماء الأخرى، نجد أنها ملحوظ فيها الصفة، ولكنها صارت أسماء لأنها الصفة الغالبة.

فإذا قيل القادر مع أن ذلك وصف يوجد في البشر ،نقول ولكن القادر إذا أُطلق انصرف إلى القادر الأعلى وهو الله. وكذلك السميع، والبصير، والعليم.

أسماء الله الحسنى


إن من أسماء الله سبحانه وتعالى ما تجد له مقابلاً، ومنها ما لا تجد له مقابلاً. فالذي تجد له مقابلاً إذا قيل لك المحيي تجد المميت والمعز تجد المذل.

لأنها صفة يظهر أثرها في الغير، فهو مميت لغيره، ومعز لغيره، ومذل لغيره، لكن الصفة إن لم يوجد لها مقابل، نسميها صفة ذات، فهو حي ولا نأتي بالمقابل، عزيز لا نأتي بالمقابل.

ولكن معز نقول مذل، وحي لا نأتي بالمقابل، إنما محيي نأتي بالمقابل وهو المميت، فهذه اسمها صفة فعل. فصفات الفعل يتصف بها وبمقابلها لأنها في الغير. لكن صفة الذات لا يتصف إلا بها.

حينما قال الحق الله ويريد أن يعطينا بعض تجليات الله في أسمائه أو المتعلقات به أول شيء قال ( الله لا إله إلا هو ) ليحقق لنا صفة التوحيد.

ويجب أن نعلم أن إلا هنا ليست أداة استثناء، لأنها لو كانت أداة استثناء فكأنك تنفي أن توجد آلهة ويكون الله من ضمن هذه الآلهة التي نفيتها وذلك غير صحيح.

وإنما المراد أنه لا آلهة أبداً غير الله فهو واحد لا شريك له، وأنه لا معبود بحق إلا هو، فكلمة إلا ليست للاستثناء وإنما اسم بمعنى غير، أي لا إله غير الله.

ولذلك إلا لايظهر عليها الإعراب، وهي بمعنى غير فهي ستكون مرفوعة، فجعلوا الضمة التي يجب أن تكون على إلا نظراً لأن إلا مبنية جعلوها على ما بعدها.

وقلنا أن هذه القضية معها دليلها، وإلا فلو كان هناك إله آخر لقال لنا أنه موجود.


التوحيد إيجاب وسلب

وأعجبني ما قاله الدكتور عبد الوهاب عزام رحمة الله عليه وكان متأثرا بالشاعر الباكستاني إقبال، كان للشاعر إقبال شيء اسمه المثاني.

أي أن يقول بيتين من الشعر في معنى، وبيتين من الشعر في معنى، وكان يغلب عليه الفلسفة الإسلامية والفكر الإسلامي، وقد تأثر الدكتور عبد الوهاب عزام به فجعل له مثاني أيضاً يناظر فيها إقبال. فيقول:

إنما التوحيد إيجاب وسلب وفيهما للنفس عزم ومضاء.

إنما التوحيد إيجاب وسلب هو قول متأثر بالقضية الكهربية. فأنت عندما نفيت الآلهة غير الله، كأنك تخليت عن غير الله وأوجبت الله.

لا للنفي، وإلا للإثبات، لا و إلا قوة قاهرة. فهما في القلب قطبا الكهرباء، كأن الكهرباء تأتي بأنك تسلب وتجيب. فالإيجاب في إلا والسلب في لا. ومادام فيه إيجاب وسلب، إذن ففيه شرارة كهرباء.

الحي أول صفة للخالق 


( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) الحي هو أول صفة يجب أن تكون لذلك الإله، لأن القدرة بعد الحياة، والعلم بعد الحياة.

فكل صفة لابد أن تأتي بعدها، الحي ما يكون على صفة يستحيل معها ألا يكون قادراً مدركاً.

يقول أحدهم متفلسفاً: الحي يكون على صفة تجعله مدركاً إن وجد ما يدرك. كأن الفيلسوف الذي قال ذلك: يعني بالحياة فيما يعلمه في حياتنا نحن، وما دوننا كأنه ليس فيه إدراك.

ونقول له: لا، إن أردت الحياة بالمعنى الواسع الدقيق فلابد أن تقول الحياة هي أن يكون الشيء على الصفة التي تبقي صلاحيته لمهمته.

هذا هو ما يجب أن يكون عليه التعريف، فالحي: هو الذي يكون على صفة تبقى له صلاحيته لمهمته.


النبات والجماد 


فالنبات، مادمت تجده ينمو، إذن ففيه حياة تبقى له صلاحية مهمته. فلو قطع لانتهت الصلاحية. ومثل الإنسان عندما يموت تنتهي صلاحيته لمهمته.

العناصر الجامدة عندما تأتي مع بعضها تتفاعل، وهذا التفاعل فرع وجود الحياة، لكنها حياة مناسبة لها وليست مثل حياتنا.

مثلاً أنت ترى الحجر الناعم الأملس، أتجده على مقدار واحد؟ لا، إن أشكاله مختلفة، وهذا دليل على أن هناك مراحل للحجرة الواحدة منها.

ولو استمرت تلك الأحجار في بيئتها الطبيعية فلاشك أن هذه الكبيرة تتفتت يوماً وتصبح صغيرة ثم تكبر مرة أخرى، لكن الإنسان حين يستخدم هذه الأحجار تكون خرجت من بيئتها.

ولا يوجد شيء عند ربنا ينتهي نفعه أبداً، بل هو يصبح لكل شيء مهمة أخرى. إذن فكل شيء يكون على صفة تبقي له صلاحيته لمهمة، تكون له حياة مناسبة لتلك المهمة.

نحن لا نأتي بهذا الكلام من عندنا، ولكن نأتي بهذا الكلام لأننا نقرأ القرآن بإمعان وتدبر، ونقول: ماذا قابل الحياة في القرآن؟ يقابلها الهلاك.

الحياة مقابلة للهلاك


بدليل أن الله قال ( ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة ) إذن فالحياة مقابلة للهلاك. ويكون الحي غير هالك. والهالك لا يكون حياً.

ويقول تعالى في الآخرة ( كل شيء هالك إلا وجهه ) ومعنى ذلك أن كل الأجناس من أعلاها إلى أدناها، من الإنسان والملائكة والنبات، كلها ستكون هالكة.

ومادام كل شيء سيهلك يوم القيامة، فكأنه لم يكن هالكاً قبل ذلك، وله حياة مناسبة له. أليست الحجارة شيئاً؟ هل ستدخل في الهلاك يوم القيامة؟ إذن فهي قبل ذلك غير هالكة.

لكننا نحن البشر لانفهم الحياة سوى على أنها الحس والحركة الظاهرة. مع أن العلماء قد أثبتوا أنه حتى الذرة فيها دوران، ولها حياة.

وأنت عندما تنظر بالمجهر على ورقة من النبات، وترى ما بها من الحجر والخلايا، وتشاهد العمليات التي تحصل بها، تجد حياة أرقى من حياتنا، وأدق منها.

الحياة لكل شيء


إذن فكل شيء له حياة، إياك أن تظن أنك أنت الذي تهلكها، فعندما تأتي بحجر وتدقه أو تضعه في الفرن لتصنع الجير، إياك أن تقول إنك أذهبت منها الحياة المناسبة لها.

أنت أذهبت منها حياتها كحجر صلب، وعندما صنعتها في الفرن ووضعت عليها بعض الماء، أصبحت جيراً وصارت لها حياة بمهمة أخرى.

فالمسائل تتسلسل إلى أن يصير لكل شيء في الوجود حياة تناسبه، وهي الصفة التي تجعله، وصلاحيته لمهمته.

فانظر إلى مهمة الحق، ما شكلها؟ إنها الحياة العليا، وهو الحي الأعلى، وحي لا تسلب منه الحياة، لأن أحداً لم يعطه الحياة، فتكون حياته ذاتية، فهذا هو الحي على إطلاقه.

إنما تقول هناك حي يمكن أن تشد منه الحياة، وتنتهي المسألة، إذن فالحي على إطلاقه هو الله والحق سبحانه وتعالى.

القيوم صفة مبالغة


( الله لا إله إلا هو الحي ) أثر صفة الحي كل الصفات الأخرى أولها القيوم . والقيوم هو صفة مبالغة في قائم. وصفات المبالغة هذه مثلها قولنا الله غفور لكن ألا يوجد غافر؟ يوجد، لكن غفور هي صفة مبالغة.

 قد تقول هل صفات الله فيها صفة ضعيفة وأخرى قوية ؟ صفات الله لا يصح أن توصف بالضعف أو بالقوة، صفات الله نظام واحد. فكيف تقول هي صفة مبالغة؟

الشيء المبالغ به عندما نقول كلنا آكل كي نستبقي حياتنا، فكلنا آكل، لكن عندما نقول فلان أكول، فمعنى ذلك أنه أخذ صفة الأكل التي كلنا شركة فيها وزاد فيها. فنقول عليه أكّال أو أكول.

أخذ الصفة الأصيلة وزاد فيها، وهذه الزيادة من أي ناحية؟ قد تأتي الزيادة من أنك تأكل في العادة رغيفاً وهو يأكل رغيفين أو ثلاثة، فالحدث خاصته في الأكل أثر كبير، فنقول عليه: أكول.

ويمكن أن يأكل معك رغيفاً في الوجبة الواحدة، لكنه يأكل خمس وجبات بدلاً من ثلاث وجبات، فيكون أيضا أكولاً، إذن فأكول إما مبالغة في الحدث نفسه أو بتكرار الحدث.

إذا امتنعت صفة المبالغة في الله لأن صفاته لا تحتمل القوة والضعف في ذات الحدث، إنما في تكررها بالنسبة للمخلوقين جميعاً.

فالله غافر لهذا، وغافر لذاك، وغافر لذاك، إذن فالحدث تكرر، فيكون غفوراً وغفّاراً. ولذلك جاءت هذه وحلت لنا الإشكال في كثير من الأشياء، عندما يقول ( وما ربك بظلام للعبيد ).


هناك قضية لغوية تقول إنك إذا جئت بصيغة المبالغة، وأثبتها، تكون الصيغة الأخرى الأقل منها ثابتة بالضرورة، فعندما نقول فلان غفور، فهل هو غافر؟

ما دمت أثبت له الصفة القوية، تكون الصفة الضعيفة موجودة.

لكن إذا نفيت الصفة المبالغ فيها، قد تكون الصفة الأخرى موجودة، فهو ليس علّامة لكنه قد يكون علاماً أو عالماً. فإذا قلت فلان علّامة فقد أثبت له الأدنى أيضاً، فيكون علّاماً وعالماً.

لكن إذا نفيت عنه علّامة أتنفي عنه الباقي؟ لا، إذن فنفي الأكثر لا ينفي الأقل. لكن إذا أثبت الأكثر ثبت الأقل، وإذا نفيت الأكثر فلن ينتفي الأقل.


ليس بظلام للعبيد 


إذا قلت الله ليس بظلّام للعبيد، نفيت الأكثر، فهل معناه أنه ظالم؟ صحيح هو ليس مبالغاً بالظلم، إنما هل هو ظالم؟ على حسب ما قلنا إذا نفينا الأكثر لا ينتفي الأقل نقول لا.

لأننا هنا نأخذ القضية الأولى في أن المبالغة في الحدث والمبالغة في الفعل تأتي مرة في ذات الحدث، ومرة في تكرار الحدث.

فإن كان ربنا سيظلم هذا ويظلم هذا فيكون تكرر الحدث، فيكون ظلاماً ( وما ربك بظلّام للعبيد ) ولذلك لم يقل بظلّام للعبد، بل قال للعبيد.

إذن فهذا العبد يحتاج ظالماً، والعبد الآخر يحتاج ظالماً، فعندما يظلم كل هؤلاء يكون ظلّاماً، ولذلك نفاها وقال ( وما ربك بظلّام للعبيد ).

الحق هنا يقول القيوم وهذه صفة مبالغة من قائم، فالأصل فيها قائم على أمر بيته، وقائم على أمر رعيته، وقائم على أمر المدرسة، وقائم على أمر هذه الإدارة.

ومعنى قائم على أمرها أنه متولي شؤونها، وفي كلمة القيام كأن القيام هو مظهر الإشراف. فنحن لا نقول قاعد على إدارتها، بل قائم.

وعندما نقول قيوم فمعناها أنه أوسع في القيام. كيف جاء هذا الوسع؟ لأن القائم قد يكون قائماً بغيره، لكن حين يكون قائماً بذاته، وغيره يستمد قائم منه، فهو قائم على كل نفس. فيجب أن يكون قيوم.

لا تأخذه سنة ولا نوم


وما دام قيوماً ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) وهذه المسألة قيل في كتب العلم أن بنو إسرائيل سألوا موسى أينام ربنا؟

فأوحى الله إليه أن آت بزجاجتين، وضعهما في يد إنسان ودعه إلى أن ينام ثم انظر للجواب. فلما وضع الزجاجتين ونام، الزجاجتين انكسرتا.

ومعنى ذلك القيوم ( أنه لا تأخذه سنة ولا نوم ).

ما هي السِنة؟


والسنة هي أول ما يأتي من النعاس، أي النوم الخفيف، فالواحد منا يكون جالساً ثم يغفو، لكن النوم هو السبات العميق، فلما قال لا تأخذه سنة .

قالوا هو النوم الخفيف يمكن أن يغلب عليه. إنما لا يقدر على مقاومة النوم العميق. فقال ( لا تأخذه سنة ولا نوم ).

السِنة هي النعاس الذي يأتي في أول النوم، ومظهرها يبدو أولاً في العين وفي الجفن، فعندما يذهب إنسان في النوم، فإن أثر ذلك يظهر في عينيه.

ولذلك يقولون إن العين هي التي يمكن أن تعرف بها كل أحوال الإنسان، وقد اكتشفوا اليوم أن الشرايين لا يمكن أن يعرفوا حالتها بالضبط إلا من العين.

ولذلك يقال فلان عين، عين البلد، فأول يأتي النعاس يصنع ترنيقة في العين، حتى الشعراء انتبهوا لهذا. فعندما يحب الشاعر واحدة عينها ليست محملقة بل فاترة، ناعسة.

وكأنها بين النساء أعارها عينيه أحور من جآذر جاسم

وسنان أقصده النعاس فرنّقت في عينه سنة وليس بنائم

فالفتور الذي يأتي في العين أولاً هو السِنة أو مقدمات النوم ونسميه نحن النعاس.

من الذي يجعل جسمك يعمل أثناء النوم؟


( لا تأخذه سنة ولا نوم ) أتريدون تطميناً من إله لمألوه، ومن معبود لعابد، ومن خالق لمخلوق أكثر من أنه يقول له نم أنت ملء جفونك، لأن ربك لا ينام. ماذا تريد أحسن من ذلك؟

وأثناء نومك فهناك أجهزة في جسمك يجب أن تعمل. أإذا نمت وقف قلبك؟ أإذا نمت انقطع نفسك؟ أإذا نمت وقفت كلاك عن امتصاص الزائد من الماء؟ أإذا نمت وقفت معدتك من حركتها الدودية التي تهضم؟

أإذا نمت توقفت أمعائك عن امتصاص المادة الغذائية؟ بل كل شيء في دولابك يقوم مقامه. فمن الذي يشرف على هذه العمليات لو كان ربك ينام؟ إذن فأنت تنام وهو لا ينام.

بالله هل هذه عبودية تذلنا أو تعزنا؟ إنها عبودية تعزنا، فالذي نعبده يقول ناموا أنتم لأنني لا تأخذني سنة ولا نوم.

وإياك أن تفهم أنه لا تأخذه سنة ولا نوم، وأن شيئاً في كونه يخرج على مراده، لأن كل ما في السماوات والأرض له. فلا شيء ولا أحد يخرج عن قدرته.

الإذن بالشفاعة


ولن يخرج عليك إله آخر،اطمئن لأن كل ما في السماوات وما في الأرض له

الشفاعة عند الله

( له مافي السماوات والأرض من ذا الذي يشفع عنده )

ما دامت المسألة بهذا الشكل فالله سبحانه وتعالى يقول أنه سيأتي يوم أنا أعطيتك الراحة في الدنيا، وحتى الكافر جعلته يتنعم بنعمي، ولم أجعل الأسباب تضن عليه، وأعطيته مادام قد اجتهد فيها.

مما يدل على أنني ليس عندي محاباة، قلت للأسباب يا أسباب من يحسنك يأخذك ولو كان كافراً بي. لكنه سيأتي يوم القيامة وليس له عندي حاجة، لأنه أحسن عملاً فأخذ جزاؤه.

(من ذا الذي يشفع عنده ) إياكم أن تظنوا كما قالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله، يريدون ان يخلوا قضية التوحيد، ويجعلوا لله شركاء ويقولون أنهم سيفعلون لهم عند الله.

وهذه الشفاعة لن تكون عندي إلا أن أذنت لها، الشفاعة ليست حقاً لأحد.

يعلم الغيب 


( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم )

ساعة العلماء يتعرضون إلى ما بين يديك لأمامك وما خلفك لوراء، فهذا منطق الآية، فما هو أمام اليد؟

ما بين يدي الإنسان مواجه لآلة الإدراك الرائية والتي هي العين، فهو أمر يشهد. والذي في الخلف يكون غيباً لا يراه، كأن ما بين اليد يراد به المشهود، والذي في الخلف يراد به الغيب.

فهو يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم أي يعلم مشهدهم وغيبهم، ويطلق ما بين اليد إطلاقا تام. فهل عما بين يديك هو مواجه لك أو غير مواجه؟

افرض أن أمامك ناس، فهل هم قادمون إليك أو راحلون عنك؟ إن كانوا راحلين عنك فقد سبقوك، وأنت جئت بعدهم، ومن وراءك سيأتي من بعدك.

فتكون يعلم ما بين أيديهم ما سبقهم، الماضي، وما خلفهم الذي يأتي بعدهم. فمرة يعلم ما بين أيديهم، أي العالم المشهود ويسمونه عالم الغيب، ويسمونه عالم الملك، وغير المشهود يسمى عالم الملكوت.

( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ) يعني العالم المشهود لهم والخفي عنهم. وما بين اليد أي أمامي والذي خلفي الذي سيأتي وهو المستقبل، وما بين أيديهم هو الماضي، والذي يأتي أمامي هو الحاضر.

إذن يعلم كل شيء ( وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس ) فأرح نفسك وقل ولا تخفى عليه خافية. إنما إحاطة من كل ناحية.



علم الله


( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) إنه يعلم، وكونه يعلم فإن ذلك لا ينفي أن يكون غيره يعلم أيضاً، فعندما يقول واحد أنا أقول الشعر. فهل منعتك أن تقول الشعر؟ إنه لم يقل ما يقول الشعر إلا أنا.

وربما تفهم أنه يعلم وغيره يعلم، فما المانع، ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ).

والعلم هو الصفة التي تعلم الأشياء على وفق ما هي عليه، هذا هو العلم. هل يعلمون الصفة؟ فالصفة أكثر من أن يحاط بها، لأنها لو أحيطت لحددت. وكمالات الله لا تحد.

( ولا يحيطون بشيء من علمه ) أي من معلومه. الصفة وحدها، كما ترى أمراً يعجبك فتقول هذه قدرة الله، فهل قدرة الله صفة أم مقدور الله؟

ويحيطون هي دقة في الأداء، لأنك قد تدرك معلوماً من جهة وتجهله من جهات، فقال لك أنك لا تقدر أن تحيط، لأن معنى الإحاطة أنك تعرف كل شيء، مثل المحيط.

لكن ذلك لا يمنع أن نعلم جزئية ما، وإن كنا نعلم بما علّمنا، وإن كنا نعلم بما آتانا من قوانين الاستنباط، فهناك مقدمات نستنبط منها نتائج.

فالذي يحل مسألة جبر، أو تمرين هندسة، أيعلم غيباً؟ ولكنه يأخذ مقدمات موضوعة له. وأنت لا تحيط بعلم إلا بما شاء لك أن تحيط.

إذن من الله


( لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) قول الله إلا بما شاء هو إذن منه، بأنه سيتفضل سبحانه على خلقه بأن يشاء لهم أن يعلموا شيئا من معلومه.

كان هذا المعلوم خفياً عنهم ومستوراً في أسرار الكون، فيأذن الله للسر أن ينكشف، وكل شيء ابتكره العقل البشري، كان مطموراً في علم الغيب وكان سراً من أسرار الله.

وبعد ذلك أذن الله للسر أن ينكشف فعرفناه بمشيئته. لأن كل سر في الكون له ميلاد كالإنسان تماماً، أي أن له ميعاد يظهر فيه، وهذا الميعاد يسمى مولد السر.

لقد كان هذا السر موجوداً وكان العالم يستفيد منه وإن لم يعلمه. لقد كنا نحن نستفيد من قانون الجاذبية ولم نكن نعلم قانون الجاذبية. وكذلك النسبية كنا نستفيد منها ولم نكن نعلمها.

فلما الحق سبحانه وتعالى يأذن بأن يكشف لنا سراً من وجوده ليشرح لنا قوله في موضع آخر ( سنريهم آياتنا في الآفاق ) مادام سنريهم، فهذا يعني أنه سيولد لنا أسراراً جديدة.

وهذا الميلاد ليس إيجاداً وإنما هو إظهار، ولذلك يقول الناس إنها اكتشافات جديدة، لقد تأدبوا في القول مع أن كثيراً منهم غير متدينين، قالوا اكتشفنا كذا.

كأنه ما اكتشفوه كان موجوداً وهم لا يقصدون هذا الأدب. إنما هي جاءت كذلك، وإنما نقول لقد أذن الله لذلك السر بالميلاد.

علم الله وعلم البشر


( لا يحيطون بشيء من علمه ) لم يقل حتى عن إفراد أحد واحد بل إذا اجتمع البشر وتكتلوا فلا يستطيعون مع بعضهم فلن يحيطوا بشيء إلا بإذنه.

وهذا تحد للكل، حين يشاء سبحانه أن يوجد إظهار سر في الوجود، إما أن يكون إظهار السر موافقاً لبحث الناس، مثل أن يكون الناس بصدد البحث.

فالعالم الذي يجلس في معمله ليجرب في العناصر ويجرب في التفاعلات، ويهتدي إلى هذه وإلى هذه، ويتعب كثيراً كي يعرف شيئاً، ونحن لا ندري به إلا يوم أن يكتشف سره.

وهذه المقدمات وضعها الله في الكون حتى إذا تتبعناها نصل إلى سره، كما نريد أن نصل إلى الولد فنتزوج حتى يأتي، وقد يأذن الله مراراً كثيرة أن يولد السر بدون أن يشتغل الخلق بمقدماته.

لكن ميعاد ميلاد السر قد جاء، ولم ينشغل العلماء بمقدماته، فيخرجه الله لأي مخترع كنتيجة لخطأ في تجربة ما. وعندما ننظر في كل الاكتشافات نجدها أغلبها لقد جاءت بالصدفة.

فكان يبحث في مجال ما، فتخرج له حاجة أخرى كانت مخفية جاء ميلادها على غير بحث من الخلق، فجاء الله بها في طريق آخر لغيرها. ومرة يوافق أنه يبحث المقدمات ويوافق السر الذي يبحث عنه.

إذن، ( لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) فمرة يصادف السر بالبحث، ومرة يأتي شيء آخر في البحث عن غيره، فالله لا يضن بكشف السر حتى لو لم يشتغلوا به ونسميها نحن صدفة.

وإنما كل شيء بمقدار، وهذا هو الذي يفرق لنا بين معرفة غيب كان موجوداً وله مقدمات في كون الله تستطيع أن تصل إليه بها، وشيء مستور عند الله ليست له مقدمات.

إنما إن شاء أعطاه من عنده تفضلاً، فضل الجود لا بذل المجهود. يفيضه في المصادفة هنا ويفيضه فيما لا مقدمات له على بعض أصفيائه من خلقه.

ليعلم الناس جميعاً أن لله فيوضات على بعض عبيده، الذين والاهم الله بمحبته وإشراقاته وتجليه.

الغيب قسمان


فهل بإمكان أحد أن يعرف كل الغيب؟ لا، فالغيب قسمان: غيب جعل الله له في كونه مقدمات، إن استعملناها نصل إليه، ككثير من الاكتشافات.

وإذا شاء الله أن يولد سر ما ولم نبحث عنه، فهو يعطيه لنا صدفة من باب فيض الجود لا بذل المجهود.

ونوع آخر ليست له مقدمات، وهذا ما استأثر الله بعلمه إلا أنه يفيض به على بعض خلقه ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول ) ليس يتعلمها أحد.

فلا تجد أحدهم لديه دكان للغيب فتطلب منه شيئاً فلانياً فيفتح لك بشيء. لا، بل يقول ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ) لا يعطي المفتاح لأحد من خلقه.

المفتاح عند الله، افرض أن الله أراد أن يعطي لواحد كرامة، فأعطاه كلمة على لسانه قد يكون هو غير مدرك لها، فيقول فلان قال لي: كذا وكذا، يا سلام.

وهذا فيض من الله يفيضه في ومضة وقد لا يشعر بها، ليثبت أن من يواليهم الله يعطيهم بعض الأشياء.

اقرأ أيضا:

ما الحكمة من موت الفجأة لبعض الناس دون أية مقدمات؟ (الشعراوي يجيب)

معنى الكرسي 


( ولا يحيطون بشيء ) نجد أن كلمة بشيء تعني أقل القليل من علمه ( إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ) قلنا فيم يتكلم به الحق عن نفسه ولخلقه فيه نظائر، كالوجود وأنت موجود.

كالغنى وأنت تكون غني، كالعلم وأنت تكون عالماً، فهل نقول إن الصفة لله كالصفة عندنا؟ لا، كذلك كل ما يرد بالنسبة للغيب فيما يتعلق بالله إضافة أو وصفاً.

لا تأخذها بالمناسب عندك، بل خذها في إطار ليس كمثله شيء. فإذا قيل لله يد، قل هو له يد، كما أن له وجوداً، وبما أن وجوده ليس كوجودي فيده ليست كيدي.

ليس كمثله شيء، فإذا قال ( وسع كرسيه ) نقول هو قال هكذا، وما دام قال هذا فسنأخذ هذه الكلمة في إطار ليس كمثله شيء. فلا تقل له كرسي وسيقعد عليه مثلنا، لا.

فمثلاً يقول أين يوجد الله؟ متى وجد؟ وقلنا متى وأين لا تأتي بالنسبة لله، إنها تأتي بالنسبة لك أنت، متى ولدت وأين عشت ونشأت. لماذا؟ لأن متى زمان وأين مكان، والزمان والمكان ظرفان للحدث.

فالشيء الحادث هو الذي له زمان ومكان، مثال أنا شربت ومادام قد حدث الشرب فيكون له زمان ومكان، لكن هب أنني لم أشرب، أيكون هناك زمان أو مكان؟

لا، فما دام الله ليس حدثاً فليس متعلقاً به زمان أو مكان، لأن الزمان والمكان نشأ عندما أحدث الله الكون، فلا تقل متى لأن متى خلقت به، ولا تقل أين لأن أين خلقت به ولأن متى وأين ظرفان.

هذه للزمان، وهذه للمكان، والزمان والمكان فرعا الحدث، وعندما يوجد حدث فقل زمان ومكان.

إذن، فمادام الله ليس حدثاً، فإياك أن تقول فيه متى، وإياك أن تقول فيه أين، لأن متى وأين وليدة الحدث. فهي بالنسبة لما أحدث الله توجد متى وأين.


الكلمات المفتاحية

آية الكرسي أسماء الله الحسنى تفسير القرآن الشيخ الشعراوي

موضوعات ذات صلة

الأكثر قراءة

amrkhaled

amrkhaled "اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِ