نظم مجمع البحوث الإسلامية بالتعاون مع مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية اليوم، لقاءً افتراضيًا بمناسبة حلول الذكرى الثالثة لوثيقة الأخوة الإنسانية، بعنوان: «منهجية تفعيل مبادئ وثيقة الأخوة الإنسانية في الواقع».
شارك في اللقاء الدكتور محمد الضويني ،وكيل الأزهر الشريف، والدكتور محمد المحرصاوي ، رئيس جامعة الأزهر، والدكتور نظير عياد ،أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، والمستشار محمد عبدالسلام ،أمين عام اللجنة العليا للأخوة الإنسانية، والأنبا إرميا، مدير المركز الثقافي القبطي الأرثوذوكسي، والدكتور محمد أبوزيد الأمير ، نائب رئيس جامعة الأزهر، والدكتورة نهلة الصعيدي، رئيس مركز تطوير الوافدين، والشيخ جمال فودة، إمام مسجد النور بنيوزيلندا.
قال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، إن وثيقةُ الأخوَّةِ الإنسانيَّة جاءتِ مبادرةً طيِّبةً من الأزهر الشَّريفِ، في وقتٍ تحتاجُ فيه الإنسانيَّةُ إلى صوتِ العقلِ والحكمةِ والرَّأيِ السَّديدِ، مؤكدا أن الالتقاءَ حولَ مبادئِ الأخوَّةِ الإنسانيَّةِ الَّتي أرادَها ربُّ البشريَّةِ أمرٌ مهمٌ للشُّعوبِ والأوطانِ، بل لكلِّ بني الإنسانِ، لأنها بمثابة الرِّباطُ الأخويُّ المتين الذي من شأنِه أن يعصِمَ الدَّمَ، ويحفَظَ الكرامةَ، ويصونَ الحرِّيَّاتِ.
وأوضح وكيل الأزهر، خلال كلمته باللقاء الافتراضي الذي نظمته اللجنة العليا للأخوة الإنسانية، اليوم الثلاثاء، عبر تطبيق أن إعلانُ مبادئِ وثيقةِ الأخوَّةِ الإنسانيَّةِ جاء انطِلاقًا من تَأمُّلٍ عَمِيقٍ لواقعِ عالَمِنا المُعاصِرِ، ومُعايَشةِ آلامِه ومَآسِيهِ وأزْماتِه، الَّتي تعودُ في جُملتِها إلى تَغيِيبِ الضَّميرِ الإنسانيِّ وإقصاءِ الأخلاقِ الدِّينيَّةِ، وكذلك استِدعاءِ النَّزْعَةِ الفرديَّةِ والفَلْسَفاتِ المادِّيَّةِ، التي تُؤَلِّهُ الإنسانَ، وتَضَعُ القِيَمَ المادِّيَّةَ الدُّنيويَّةَ مَوْضِعَ المَبادِئِ العُلْيَا والمُتسامِيةِ.
وأضاف أن العالمَ اليومَ يشعرُ -أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى- بضرورةِ الأمنِ والأمانِ، وأهميَّةِ مدِّ جسورِ التَّعاونِ والتَّلاقي بين الشُّعوبِ، موضحا أن ذلك الأمر لن يتحقَّقَ إلَّا بالسِّلمِ، ولن يتحقَّقَ السِّلمُ بين النَّاسِ إلَّا إذا اتَّفقوا على المبادئِ الكُبرى الَّتي تجمعُهم في أخوَّةٍ متينةٍ لا تنفصمُ عراها.
وأشاد وكيل الأزهر بجهود الأزهرُ الشريفُ، بقيادَةِ فضيلة الإمامِ الأكبرِ شيخِ الأزهرِ، في سبيلِ إقرارِ التَّواصلِ الفَعَّالِ بين بني الإنسانِ، ونشرِ ثقافَةِ المحبَّةِ والتَّسامحِ والتَّعايشِ المُشتركِ في ربوعِ العالمِ، من خلال المؤتمراتُ العالميَّةُ الَّتي آتتْ أُكُلَها وثمراتِها، والتي من أبرزِها: مؤتمرُ الأزهرِ الشريفِ لمواجهةِ الإرهاب، بحضورِ كبارِ علماءِ المسلمينَ ورؤُساءِ الكنائسِ الشَّرقيةِ وبعضِ الطوائفِ الأخرى، والمؤتمرُ الدَّوْليُّ «الحريَّةُ والمواطنةُ.. التَّنوعُ والتَّكاملُ»، الَّذي عقدَه الأزهرُ الشريفُ ومجلسُ حكماءِ المسلمينَ، بمشاركةِ أكثرَ من خمسينَ دولةً. وكذا «مؤتمرُ الأزهرِ العالميُّ للسَّلامِ» بحضُورِ عددٍ من القياداتِ الدينيةِ من أنحاءِ العالم، في مُقدّمتِهم البابا فرنسيسُ الثاني، بابا الفاتيكان في السابعِ والعشرينَ والثامنِ والعشرينَ من أبريلَ عامَ ألفينِ وسبعةَ عَشَرَ، ثمَّ كانت هذه الوثيقةُ هديَّةً أزهريَّةً يقدِّمُها الأزهرُ للعالمِ تأكيدًا لرسالةِ الحبِّ والخيرِ والسَّلامِ الَّتي تترجمُها علومُه، وتنبئُ عنها مناهجُه.
وأوضح وكيل الأزهر أن منهجيَّةِ تفعيلِ مبادئِ وثيقةِ الأخوَّةِ الإنسانيَّةِ في ظلِّ ما يعانيه الواقعُ المُثقَلُ من جِراحِ التَّفرُّقِ والتَّشرذمِ، تكمنُ في الاتِّفاقِ على تحديدِ أوجاعِ الإنسانيَّةِ المعاصرةِ، الَّتي يُعاني منها العديدُ من إخوتِنا وأخَواتِنا في مَناطقَ مُختلِفةٍ من العالمِ، نتيجةَ سِباقِ التَّسلُّح، والظُّلمِ الاجتماعيِّ، والفسادِ، وعدمِ المُساواةِ، والتَّدهورِ الأخلاقيِّ، والإرهابِ، والعُنصُريَّةِ والتَّطرُّفِ، وغيرِها من الأسبابِ الأُخرى.
وأضاف الضويني أنه من الواجب علينا أن ننشرَ ثقافةَ التَّعايشِ السِّلميِّ بين أبناءِ المجتمعِ تطبيقًا لا قولًا فقط، وألَّا ننسُبَ الإرهابَ أو العنفَ أو التَّطرُّفَ إلى الدِّينِ، وأن نؤكَّدَ أنَّها مساراتٌ فرديَّةٌ شاذَّةٌ، نتجتْ عن شُذَّاذِ الفكرِ والسُّلوكِ، وأن ندعوَ الإعلاميِّين وأهلَ الدِّراما الفنيَّةِ إلى الاهتمامِ بإنتاجِ أفلامٍ ومسلسلاتٍ تؤسِّسُ لمبادئِ التَّعايشِ السِّلميِّ والتَّشاركِ الإنسانيِّ، وأن تضطلعَ الأسرةُ بدورِها التَّربويِّ في إعدادِ أجيالٍ تعيشُ بالسَّلامِ وتحيا به، وتوعيةِ الأجيالِ الحاليَّةِ والقادمةِ، وإعادةِ فتحِ بابِ الحوارِ المجتمعيِّ والتَّركيزِ على نقاطِ اتِّفاقٍ وقواسمَ مشتركةٍ، خاصَّةً أنَّ الأمانَ للشُّعوبِ والمجتمعاتِ يكمنُ في الحوارِ الهادفِ البنَّاءِ.
وفي ختام كلمته قال وكيل الأزهر إنَّ الوثيقةَ بَرنامَجُ عملٍ ومشروعٌ ودعوةٌ إلى التَّصالحِ ليس فقط بين الجميعِ بمختلفِ عقائدِهم وأفكارِهم وأيديولوجيَّاتِهم، بل رسالةٌ عمليَّةٌ لمواجهةِ الماضي وأخطائِه والتَّصالحِ معه من أجلِ حاضرٍ أفضلَ ومستقبلٍ يليقُ بالإنسانيَّةِ المُكرَّمةِ.
وبدوره قال الدكتور نظير عياد، إن خروج "وثيقة الأخوة الإنسانية" من خلال رمزين كبيرين؛ فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، يؤكد أهميتها حيث مَثلت الوثيقة مشهدًا رائعًا شارك فيه عدد كبير من العلماء والمهتمين بالحوار بين أتباع الأديان في الكثير من الدول العربية والأجنبية، مضيفًا أن الوثيقة تهدف إلى القضاء على الطائفية والعنصرية والكراهية، وتقاوم العنف والتطرف، وتعمل على نشر قيم التسامح والسلام والمودة بين البشر، وترسخ للحوار والتفاهم لتحقيق الحياة الكريمة لكل إنسان، مؤكدًا أن الوثيقة تعد امتدادًا لوثيقة المدينة التي ألفت بين القلوب، ورسخت مبدأ المواطنة والعيش المشترك.
وأوضح عيّاد أن اهتمام العالم ومؤسساته الدولية بهذه الوثيقة ودورها يؤكد على أهمية ما يرتبط بها من أحداث لأنها تكشف عن نظرة الأديان للأمور بشكل صحيح، بالإضافة إلى أهمية ما تحويه من إقرار للحرية التي تحمل في طياتها مسئولية الإنسان، وحقه في العيش دون المساس بحق الآخر، وما اهتمت به من المفاهيم والفضائل المشتركة التي أقرتها جميع الأديان.
من ناحية أخري أكد المستشار محمد عبدالسلام ،أمين عام اللجنة العليا للأخوة الإنسانية، أن كل العباد أخوة وكل من يحمل لقب إنسان هو أخ، متمنيًا أن تسير البشرية نحو السلام والتسامح مع احتفاظ كل شخص بهويته الدينية المستقلة حسب دينه وعقيدته، مبينًا أن منهج الأزهر هو منهج الوسطية والاعتدال والتسامح وهي معاني متأصلة في مصر تملؤها تسامحًا ومودة، مشيدًا بجهود فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، في دعم كل المبادرات التي تنشر السلام وترسخه.
وأضاف عبد السلام أن هذا اللقاء يعد خطوة جادة نحو الأخوة الانسانية، وأن الحديث في مصر عن الأخوة الانسانية يؤكد أن مصر يسعد فيها الجميع بالسلام والمحبة، مشيرًا أن منهج الأزهر في التسامح ينتشر في كافة أرجاء العالم، موصيًا بضرورة التواصل المستمر من أجل نشر مبادئ الأخوة الانسانية حتى يعم السلام في ربوع العالم.
من جانبه، أشار الدكتور محمد المحرصاوي إلى إن اللجنة العليا للأخوة الإنسانية كانت لها إسهامات كثيرة تهدف من خلالها نشر مبادئ "وثيقة الأخوة الإنسانية"، والتي كان منها مباردة "الصلاة من أجل الإنسانية" للتضرع إلى الله - سبحانه وتعالى- ليرفع عن الإنسانية جمعاء ما حل بها من وباء وبلاء، موضحًا أن اللجنة كانت لها مقترحات عديدة ومنها رصد جائزة للأفراد والمؤسسات التي ساهمت في نشر مبادئ وثيقة الأخوة الإنسانية، كما كللت هذه المجهودات العظيمة التي بذلتها اللجنة باعتماد الأمم المتحدة يوم ٤ فبراير يومًا عالميًا "للأخوة الإنسانية".
وفي سبيل نشر وثيقة الأخوة الإنسانية أوضح المحرصاوي أن الجامعة قامت بالعديد من الجهود، حيث طبعت الوثيقة كاملةً عقب توقيعها من فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، ونشرها في أماكن استراتيجية متعددة، لتؤكد أن هذا هو الأزهر بفكره الوسطي المعتدل، وأن هذه دعوته إلى التسامح وقبول الآخر.