كم من الناس يعيش ويعمر عمرا طويلا ولكنه بلا جدوى وبلا فائدة، بل ربما يطيل الله في عمره وينزع منه البركة، فلا صالحا فعل، ولا ثوابا حصل، فعمر الإنسان المسلم ليس هو السنين التي يقضيها من يوم ولادته إلى يوم الوفاة، إنما عمره في الحقيقة يقدر ما يُكتبُ له في ميزان حسناته عند الله تبارك وتعالى من الصالحات وفعل الخيرات، فإن المسلم قد يموت شابًا ولكن رصيده من أعمال الخير حافل وجليل، وينفع الله به المسلمين بعد موته، وبقدر ما يكون للمسلم من فائدة على المسلمين، بقدر ما يكون ذلك امتدادًا لعمله.
لذلك يقول الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ) (يس:12).
وروى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا.
وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي أُبْدِعَ بِي (فقدت راحلتي) فَاحْمِلْنِي فَقَالَ مَا عِنْدِي فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَدُلُّهُ عَلَى مَنْ يَحْمِلُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ.
اظهار أخبار متعلقة
بركة العمر في عمل الخير
يستطيع المسلم الذي رزقه الهه التوفيق في إنفاق وقته في الخير أن يطيل عمره ويمد حياته إلى ما شاء الله تعالى، فيحيا وهو ميت ويؤدي رسالته، وهو مقبور.
إن الذِّكْرَ الحسن الذي يتركه المسلم بعد موته يعتبر عمر ثان له.
فقد روى مسلمٌ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ.
العمر الحقيقي للإنسان:
الإنسان بفطرته يحب أن يطيل الله في عمره، ومن هذا الباب دخل إبليس إلى آدم عليه السلام، يقول الله تعالى في محكم التنزيل: (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى) (طه:120)
وطول العمر نعمة جليلة من الله تبارك وتعالى، وذلك إذا استخدم المسلم الواعي طول عمره في طلب العلم النافع والقيام بالعمل الصالح له ولجميع المسلمين.
ولكن كيف تزين عمرك بالطاعة والبركة؟
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا مَاتَ بن آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ.