لم يكن العباس بن عبد المطلب مجرد عم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه كان بمثابة الأخ من أخيه، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبجله ويوقره،، ويفخر بعمومته له، فلم يكن يناديه إلا بـ "يا عم".
وكان العباس وصولًا لأَرحام قريش، محسنًا إِليهم، ذا رَأْيٍ سديد وعقل غزير، كما كانوا، يقدمونه ويشاورونه ويأْخذون برأْيه وكان العبّاس إذا مر بعمر أو بعثمان وهما راكبان إلّا نزلا إجلالًا له.
والعباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه كان يكنى أبا الفضلِ، بابنه.
وأمه: نتيلة بنت جناب بن كليب بن مالك بن عمرو بن عامر بن زيد بن مناة بن عامر، وهو الضحيان بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط، وهي أول عربيَّةٍ كسَتِ البيت الحرام بالحرير والديباج، وأصناف الكسوة، وكان سبب ذلك أن العباس ضاع أو تاه وهو صغير، فنذرت إن وجدتْه أن تكسوَ البيت بالحرير، فوجدته، ففعلتْ.
وكان العباس رضي الله عنه أسنَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتينِ، وقيل: بثلاث سنين.
أسلم العبّاس قبل فَتْح خَيْبَر، وكان يكتم إسلامه، ثم أظهر إسلامَه يوم فتح مكَّة، وشهد حُنينًا والطَّائف وتَبُوك. وقيل: إن إسلامَه قبل بدرٍ، كان بمكة يكتب إِلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أَخبار المشركين، فلذلك قال النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، لأصحابه يوم بَدر: «مَن لقى منكم العبّاس وطالبًا وعقيلًا ونوفلًا وأبا سفيان فلا تقتلوهم فإنّهم أُخرِجوا مُكْرَهين».
فضل العباس بن عبد المطلب
وعرف عن العباس فضله في الجاهلية وفي الإسلام فقد كان العباس في الجاهلية رئيسًا في قريش، وإليه كانت عمارة المسجد الحرام، والسقاية في الجاهلية، أما السقاية فمعروفة، وأما عمارة المسجد الحرام، فإنه كان لا يدع أحدًا يسُبُّ في المسجد الحرام، ولا يقول فيه هُجرًا، لا يستطيعون لذلك امتناعًا؛ لأن ملأ قريش كانوا قد اجتمعوا وتعاقدوا على ذلك، فكانوا له أعوانًا عليه.
وكان العباس أيضا هو بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي بقيت من بعده، فكانوا يتوسلون به إلى الله عز وجل بعد وفاة نبيه، فعن أنس بن مالك، أن عمرَ بن الخطاب - رضي الله عنه - كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبدالمطلب، فقال: "اللهم إنَّا كنا نتوسَّل إليك بنبيِّنا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعمِّ نبيِّنا فاسقِنا"، قال: فيُسقَون.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أمَر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بالصدقة، فقيل: منع ابن جميل، وخالد بن الوليد، وعباس بن عبدالمطلب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرًا فأغناه الله ورسوله، وأما خالد، فإنكم تظلِمون خالدًا، قد احتبس أدراعَه وأعتادَه في سبيل الله، وأما العباسُ بن عبدالمطلب، فعمُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهي عليه صدقة ومثلُها معها)).
وعن عبدالله بن الحارث قال: حدثني عبدالمطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب، أن العباس بن عبدالمطلب، دخَل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مغضَبًا وأنا عنده، فقال: ((ما أغضَبك؟))، قال: يا رسول الله، ما لنا ولقريش، إذا تلاقَوا بينهم، تلاقوا بوجوهٍ مُبْشَرَة، وإذا لَقُونا، لقونا بغير ذلك؟ قال: فغضب رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حتى احمرَّ وجهه، ثم قال: ((والذي نفسي بيده، لا يدخل قلبَ رجل الإيمانُ حتى يحبَّكم لله ولرسوله))، ثم قال: ((يا أيها الناس، من آذى عمِّي، فقد آذاني؛ فإنما عمُّ الرجل صنوُ أبيه)).
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يجهز أو كان يعرض جيشًا ببقيع الخيل، فاطلع العباسُ بن عبدالمطلب، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هذا العباس عمُّ نبيكم، أجودُ قريشٍ كفًّا وأحناه عليها)).
اقرأ أيضا:
ماذا تعرف عن الريح التي تقبض أرواح المؤمنين؟موقف النبي عندما أسره المسلمون في بدر؟
كان العباس بن عبد المطلب ممن خرَج مع المشركين يوم بدر، وأُخرِج إليها مكرَهًا فيما يزعم قوم، فأُسِر فيمن أُسِر منهم، وكانوا قد شدُّوا وثاقهم، فسهر النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الليلة ولم ينَمْ، فقال له بعض أصحابه: ما يُسهِرك يا نبيَّ الله؟ قال: ((أسهر لأنين العباس))، فقام رجل من القوم فأرخى من وثاقه، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما لي لا أسمع أنين العباس؟))، فقال الرجل: أنا أرخيت من وثاقه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فافعل ذلك بالأسرى كلِّهم)).
ولم تكن قريش تُخفي شكوكها في نوايا العباس ؛ ولذا فقد وجدت في غزوة بدر فرصة لاختبار حقيقة العباس، فدخل العباس الغزوة مكرهًا، ويلتقي الجمعان في غزوة بدر، وينادي الرسول في أصحابه قائلاً: "إن رجالاً من بني هاشم ومن غير بني هاشم قد أخرجوا كرهًا، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحدهم فلا يقتله، من لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله، فإنما أخرج مستكرهًا".
فأسر العباس فيمن أسر يوم بدر، وكان أسره على يد أبي اليسر كعب بن عمرو، وقد طلب منه الرسول أن يفدي نفسه وذويه، فرفض العباس قائلاً: "إني كنت مسلمًا قبل ذلك، وإنما استكرهوني". قال : "الله أعلم بشأنك، إن يكُ ما تدعى حقًّا فالله يجزيك بذلك، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، فَافْدِ نفسك". وبعثت له أم الفضل من مكة بالفدية، فأطلق الرسول سراحه.
و عن سعيد بن المسيب قال: أراد عمر توسيع المسجد، فكان للعباس دار، فقال: لا أعطيكها، ليس لك ذاك، قال: اجعل بيني وبينك أبيَّ بن كعب حكَمًا، فقضى عليه، فقال العباس: "هي على المسلمين صدقة".
وفي يوم العقبة عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: "أخَذ العباس بن عبدالمطلب بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعقبة حين وافاه السبعون من الأنصار، يأخذ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم ويشترط لهم، وذلك والله في غُرة الإسلام وأوله، من قبل أن يعبُدَ اللهَ أحدٌ علانيةً".
وكان العبّاس أنصر النّاس لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بعد أبى طالب، وحضر مع النّبى صَلَّى الله عليه وسلم العقبةَ يَشْتَرِط له على الأنصار وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يذكُر بالمدينة ليلة العقبة فيقول: ( أيِّدتُ تلك الليلة ، بعمّى العبّاس ، وكان يأخذ على القومِ ويُعطيهم )، ويوم حنين كان العباس إلى جوار النبى -صلى الله عليه وسلم- يتحدى الموت والخطر ، أمره الرسول أن يصرخ فى الناس فصرخ بصوته الجهوري: (يا معشر الأنصار، يا أصحاب البيعة) فأجابوه :(لبيك، لبيك) وعادوا كالإعصار صوب العباس، ودارت المعركة من جديد وانتصر المسلمون .
توفّى العبّاس يوم الجمعة لأربع عشرة من رجب سنة اثنتين وثلاثين فى خلافة عثمان بن عفان وهو ابن ثمانٍ وثمانين سنة، وغسله عليّ بن أبى طالب، ،ودُفن بالبقيع فى مقبرة بنى هاشم بعد أن أدرك فى الإسلام اثنتين وثلاثين سنة وفى الجاهليّة ستًا وخمسين سنة. وأنجب العباس ذرية مباركة وكان (حبر الأمة) عبد الله بن العباس أحد هؤلاء الأبناء وذريته هم من أسس الدولة العباسية التى استمرت تحكم الأمة الإسلامية لأكثر من خمسمائة عام.
اقرأ أيضا:
حينما تأتيك المصائب فجأة وتشتد عليك الدنيا.. اقرأ هذه القصة