عندما يذكر الإمام الشافعي – رحمه الله- يذكر العلم والفضل وقوة الحفظ وسرعة البديهة، فهو رمزية للعلم والذكاء، وقد كان ذلك واضحا منذ صغره.
في طفولته:
يقول الشافعي: كنت أطلب الشعر وأنا صغيرٌ وأكتب, فبينما أنا أمشي بمكة أو في ناحية من مكة إذ سمعت صائحاً يقول: يا محمد بن إدريس عليك بطلب العلم.. فالتفت فلم أر أحداً, فرجعت فكنت أطلب العلم وأكتبه على الخزف, وأطرحه في زير – إناء من الفخار- حتى امتلأ.
وأضاف: كنت يتيماً ولم يكن لأبي شيءٌ.. قال: فتولّي عم لي بناحية اليمن على القضاء فخرجت معه, فلما قدمت من اليمن أتيت مسلم بن خالد الزنجي, فسلمت عليه فلم يرد علي السلام وقال: أحدهم يجيئنا حتى ظننت أنه صلح أفسد نفسه.
وتابع في حديثه: فصرت إلى سفيان بن عيينة فسلمت عليه, فرد عليّ السلام وقال: بلغني يا أبا عبد الله ما كنت فيه وما بلغني إلا خيرٌ فلا تعد.
مناظراته بالعراق:
قال: ثم خرجت إلى المدينة فقرأت الموطأ على مالك، ثم خرجت إلى العراق فصرت إلى محمد بن الحسن- صاحب أبي حنيفة- فكنت أتناظر مع أصحابه.
قال: فشكوني إلى محمد بن الحسن في ذلك, وقالوا له: إن هذا الحجازي يعيب علينا قولنا ويخطئنا.
قال: فذكر محمد بن الحسن لي ذلك. فقلت له: إنا كنا لا نعرف إلا التقليد فلما قدمنا عليكم سمعناكم تقولون: لا تقلدوا واطلبوا الحق والحجج.
فقال: ناظرني. فقلت: أناظر بعض أصحابك وأنت تسمع. فقال: لا إلا أنا. فقلت: فذاك.
اقرأ أيضا:
عجائب الشجعان نحيف وسمين.. كيف وجدا قلبيهما بعد شقّهما؟أسئلة ذكاء في المناظرة:
1-قال: تسأل أو أسأل؟ قلت: ما شئت، قال: فما تقول في رجل غصب من رجل عموداً فبنى عليه قصراً ثم جاء مستحق فاستحق؟ قلت: يخير بين العمود وبين قيمته؛ فإن اختار العمود هدم القصر وأخرج العمود فيرد على صاحبه.
2- قال: فما تقول في رجل غصب خشبةً فبنى عليها سفينة, ثم دخل بها في البحر ثم جاء صاحبه فاستحقه؟ قلت: يقدم إلى أقرب مرسى فيخير بين قيمته وبين الخشبة, فإن أخذ قيمته وإلا نقض السفينة, وترد الخشبة إلى صاحبها.
3- قال: فما تقول في رجل غصب من رجل خيط حرير فخاط به جرحه ثم جاء صاحبه فاستحقه؟ قلت: له قيمته.
قال: فكبر وكبر أصحابه وقالوا: تركت قولك يا حجازي.
الشافعي ينهي المناظرة لصالحه:
قال: قلت له: على رسلك أرأيت لو أن صاحب الدار أراد أن يهدم قصره ويرد العمود إلى صاحبه ولا يعطيه قيمته, أكان للسلطان أن يمنعه من ذلك؟ قال: لا.
فقلت: أرأيت صاحب السفينة لو أراد أن ينقض السفينة ويرد الخشبة إلى صاحبها أكان للسلطان أن يمنعه؟ قال: لا.
فقلت: أرأيت الخيط الذي خاط به الجرح لو أراد أن ينقض جرحه أكان للسلطان أن يمنعه؟ فقال: نعم. قلت: فكيف تقيس ما هو محظورٌ بما هو مباحٌ؟.