جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه تعالي: (علامة الطهر أن يكون قلب العبد عندي معلقا، فإذا كان كذلك لم ينسني على كل حال، وإن كان كذلك مننت عليه بالاشتغال بي كي لا ينساني، فإذا لم ينسني حركت قلبه، فإذا تكلم تكلم بي، وإذا سكت سكت بي، فذلك الذي تأتيه المعونة من عندي) .

أنواع الغربة

الغربة عند أهل الطريقة وأصحاب السلوك ومجاهدة النفس غربتان: ظاهرة وباطنة.
1-الظاهرة: غُربة أهل الصلاح بين الفساق، وغربة الصادقين بين أهل الرياء والنفاق، وغربة العلماء بين أهل الجهل وسوء الأخلاق، وغربة علماء الآخرة بين علماء الدنيا الذين سُلبوا الخشية والإشفاق، وغربة الزاهدين بين الراغبين فيما ينفد وليس بباق.
2- الغربة الباطنة: غربة الهمة، وهي غربة العارفين بين الخلق كلهم حتى العلماء والعباد والزهاد، فإن أولئك واقفون مع علمهم وعبادتهم وزهدهم، وهؤلاء واقفون مع معبودهم لا يعرجون بقلوبهم عنه.

حكم ومواعظ:

كان العارف أبو سليمان الداراني يقول في صفتهم: وهمتهم غير همة الناس وإرادتهم الآخرة غير إرادة الناس، ودعاؤهم غير دعاء الناس.
2- وسئل عن أفضل الأعمال فبكى وقال: أن يطلع على قلبك فلا يراك تريد من الدنيا والآخرة غيره.
3- وقال العابد يحيى بن معاذ: الزاهد غريب الدنيا، والعارف غريب الآخرة.
يشير إلى أن الزهد غريب بين أهل الدنيا، والعارف غريب بين أهل الآخرة، لا يعرفه العباد ولا الزهاد، وإنما يعرفه من هو مثله وهمته كهمته.
وربما اجتمعت للعارف هذه الغربات كلها أو كثير منها أو بعضها فلا يسأل عن غربته، فالعارفون ظاهرون لأهل الدنيا والآخرة.
4- ويقول أيضا يحيى بن معاذ: العابد مشهور والعارف مستور، وربما خفي حال العارف على نفسه لخفاء حالته وإساءة الظن بنفسه.

اقرأ أيضا:

حين يتحدث إليك الله بجلاله.. هل تسمعه؟

آداب نبوية:

1-جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب العبد الخفي التقي» .
2- وفي حديث معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب من عباده الأخفياء الأتقياء، الذين إذا حضروا لم يعرفوا، وإذا غابوا لم يفتقدوا، أولئك أئمة الهدى ومصابيح العلم» .
3- وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: طوبى لكل عبد لم يعرف الناس ولم تعرفه الناس، وعرفه الله منه برضوان، أولئك مصابيح الهدى، تجلى عنهم كل فتنة مظلمة.
4- وقال ابن مسعود رضي الله عنه: كونوا جدد القلوب، خلقان الثياب، مصابيح الظلام، تخفون على أهل الأرض وتعرفون في أهل السماء.
5- وكان أبو مسلم الخولاني كثير اللهج بالذكر لا يفتر لسانه فقال رجل لجلسائه: أمجنون صاحبكم؟ وقال: أبو مسلم: يا ابن أخي.. لكن هذا دواء الجنون.
فهؤلاء أخص أهل الغربة، وهم الفرارون بدينهم من الفتن، وهم النزاع من القبائل الذين يُحشرون مع عيسى عليه السلام، وهم بين أهل الآخرة أعز من الكبريت الأحمر، فكيف يكون حالهم بين أهل الدنيا، وتخفى حالهم غالبا على الفرقتين.