لجنة الفتوي بمجمع البحوث الإسلامية ردت علي هذا التساؤل بالقول: فيسن عند الفراغ من دفن الميت الانتظار والدعاء له، وسؤال الله له بالتثبيت عند السؤال، لحديث عثمان -رضي الله عنه- قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، فقال: استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل" رواه أبو داود،...
اللجنة قالت في الفتوي المنشورة علي صفحة المجمع الرسمية علي شبكة التواصل الاجتماعي "فيس بوك "وروي كذلك عن ابن مسعود-رضي الله عنه-: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقف على القبر بعدما يسوي عليه، فيقول: اللهم نزل بك صاحبنا، وخلف الدنيا خلف ظهره اللهم ثبت عند المسألة منطقه، ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به» رواه سعيد في سننه.
وبدوره قال قال الإمام الترمذي: الوقوف على القبر، والسؤال للميت في وقت الدفن، مدد للميت بعد الصلاة عليه، لأن الصلاة بجماعة المسلمين كالعسكر له، قد اجتمعوا بباب الملك، يشفعون له، والوقوف على القبر، وسؤال التثبيت، مدد للعسكر، وتلك ساعة شغل الميت.. كما هو مستفيض عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومجمع عليه.
وكذلك ظهر الأمر واضجت في قوله صلي الله عليه وسلم -: " استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل" عموم، فيجوز الدعاء فرادى، كما يجوز أن يدعو أحدُهم جهراً، ويأمِّن الناس على دعائه؛ على أصل مشروعية الدعاء وهيئته؛ إذ لا مخصِّص، ومن ثم فلا يصح الإنكار في مثل هذه الأمور، مما فيه متسع
وفي سياق متصل ردت الدار علي تساؤل نصه ما حكم الدعاء للمتوفى بأن يجعل الله مثواه الجنة:بالقول :الدعاء للمتوفى بأن يجعل الله مثواه الجنة صحيحٌ شرعًا، ولا وجه لاختصاص المثوى بالنار؛ لا من جانب الشرع، ولا من جانب اللغة، والقول بالمنع من ذلك منشؤه التنطع والتقعر المذمومان فضلًا عن كون مدعيه جاهلًا باللغة والشرع
. الدار أشارت إلي أن الدعاء للمتوفى مشروع مطلوب، وهو من جملة هدايا الأحياء للأموات التي تصل إليهم، وقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ».
نبهت الدار إلي أن تقييد الدعاء بالولد في الحديث لا مفهوم له، فالدعاء يصل من الولد ومن غيره، وإنما خُصَّ الولدُ بالذكر في الحديث؛ تحريضًا له على الدعاء لأبيه، وقد قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (11/ 85، ط. دار إحياء التراث العربي): [الدعاء يصل ثوابه إلى الميت، وكذلك الصدقة، وهما مجمع عليهما] اهـ.
الدار استدركت قائلة :أما العبارة المسؤول عنها من قول الداعي في الدعاء للمتوفى: "اللهم اجعل مثواه الجنة" فهي جائزة ولا محذور فيها على الإطلاق؛ لأن المثوى في اللغة مصدر ميمي من الثواء، والثواء هو الإقامة، والمصدر الميمي يدل على الحدث والزمان والمكان؛ قال الإمام أبو حيان الأندلسي في "البحر المحيط" (3/ 358، ط. دار الفكر): [الْمَثْوَى: مَفْعَلْ من ثَوَى يَثْوِي أَقَامَ. يكون للمصدر والزمان والمكان، وَالثَّوَاءُ: الإقامة بالمكان] فالمثوى: معناه المنزل أو الموضع الذي يقام به.
وبحسب الفتوي فقد تطرقت السنة النبوية إلي هذا الأمر بالقول : روى الحاكم في "المستدرك" والطبراني في "الكبير" في قصة إجارة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي العاص بن الربيع أن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا علم بذلك قال لها: «أَيْ بُنَيَّةُ، أَكْرِمِي مَثْوَاهُ، وَلَا يَخْلُصُ إِلَيْكِ فَإِنَّكَ لَا تَحَلِّينَ لَهُ».
ومن ذلك أيضًا: ما أخرجه ابن السُّنِّي في "عمل اليوم والليلة" عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ، وَالْآيَتَيْنِ مِنْ آلِ عِمْرَانَ: ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [آل عمران: 18] ، وَ ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ﴾ [آل عمران: 26] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [آل عمران: 27] مُعَلَّقَاتٌ، مَا بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حِجَابٌ،
الفتوي تابعت بالقول :لَمَّا أَرَادَ اللهُ أَنْ يُنْزِلَهُنَّ تَعَلَّقْنَ بِالْعَرْشِ، قُلْنَ: رَبَّنَا، تُهْبِطُنَا إِلَى أَرْضِكَ، وَإِلَى مَنْ يَعْصِيكَ. فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: بِي حَلَفْتُ، لَا يَقْرَأُكُنَّ أَحَدٌ مِنْ عِبَادِي دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ إِلَّا جَعَلْتُ الْجَنَّةَ مَثْوَاهُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، وَإِلَّا أَسْكَنْتُهُ حَظِيرَةَ الْقُدُسِ، وَإِلَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ بِعَيْنِي الْمَكْنُونَةِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ نَظْرَةً، وَإِلَّا قَضَيْتُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ حَاجَةً، أَدْنَاهَا الْمَغْفِرَةُ، وَإِلَّا أَعَذْتُهُ مِنْ كُلِّ عَدُوٍّ وَنَصَرْتُهُ مِنْهُ، وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا الْمَوْتُ».
الدار خلصت في نهاية الفتوي للقول : إن الدعاء للمتوفى بأن يجعل الله مثواه الجنة صحيحٌ شرعًا، ولا وجه لاختصاص المثوى بالنار لا من جانب الشرع ولا من جانب اللغة، والقول بالمنع من ذلك منشؤه التنطع والتقعر المذمومان، مع الجهل باللغة والشرع