حلاوة الإيمان أمر تهفو إلي تحقيقه نفس كل مسلم وهو أمر ليس بالسهل اليسير بل له متطلبات عديدة في مقدمتها أن يتفوق حبّ الله -تعالى- ورسوله -صلّى الله عليه وسلّم- على كل ما غيرهما، ويشمل ذلك النفس والولد والوالدين .. فعبر هذا الطريق فقط يصل المؤمن إلى حلاوة الإيمان، وتتحقّق محبّة الله -تعالى- بالالتزام بكلّ ما أمر به، واجتناب كل ما نهى عنه، ومنها أن يحبّ العبد كل ما يحبّه الله -تعالى- ويبغض ما يبغضه،
السنة النبوية الشريفة تحدثت عن حلاوة الايمان بالقول إنها دلالة على إضافة المحبّة لله -تعالى-، سواء كان مُحبّاً أم محبوباً، كما قال القرطبي -رحمه الله-، ومن ذلك قوله -تعالى-: "فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ "
وأجمع علماء الحديث وأهل العلم علي أن المقصود من التثنية في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: "مما سواهما" هو جمع المحبتين؛ أي محبّة الله -تعالى- ومحبّة رسوله -عليه السلام-، حيث لو كانت إحداهما دون الأخرى، لم تنفع صاحبها.
ومن الثابت أن للإيمان صفات من تمسّك بها والتزمها؛ فقد ذاق حلاوة الإيمان ووجد طعمه، وهي الصفات الواردة في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- الذي قال فيه: "ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلَاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِوَاهُمَا، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ"،
بل أن هذه الصفات تعد من أعلى صفات كمال الإيمان؛ فالإيمان للقلوب بمثابة الغذاء للجسد، يتذوّق المسلم طعمه، ويمدّه بالقوّة والغذاء اللازم له، وكما أنّ الجسد حين يصيبه المرض لا يشعر بطعم مأكله ومشربه؛ فكذلك القلب إن أصابته أمراض الشهوة والضلال فلا يجد للإيمان طعماً، وتراه يميل لما تهواه نفسه؛ فيوقعها في المعاصي مما يؤدي إلى هلاكها،
بل أن المسلمم إذ وجد حلاوة الإيمان في قلبه لا يمكن ان يقدم علي فعل الخطايا مصداقا للحديث النبوي الشريف قال رسول الله: "لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وهو مُؤْمِنٌ"؛ فإنّ المؤمن الذي يجد حلاوة الإيمان في قلبه؛ يمتنع عن اتّباع شهواته؛ فلا يقع في المعاصي ولا ينوي عليها.
وكي يجد المسلم حلاوة الإيمان في قلبه عليه أن يحرص علي أداء العديد من الطاعات منها قراءة القرآن الكريم والإكثار من ذكر الله ، فإن هذا من أسباب.. لذوق المحبة، ذوق حلاوة الإيمان، يقول النبي ﷺ: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار.
ومن المهم الإشارة إلي أن الصدق في محبة الله ورسوله والإيمان بالله ورسوله، ومحبة إخوانه في الله وكراهة الكفر بالله، من أسباب ذوق طعم الإيمان، ويقول ﷺ: ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا،
وكذلك ذكر في حديث ابن عباس العديد من مؤشرات تذوق حلاوة الإيمان : من أحب في الله وأبغض في الله، وأعطى لله ومنع لله، وجد حلاوة الإيمان، أو قال: ذاق طعم الإيمان.
ويقصد بالحديث النبوي هنا أن الإكثار من ذكر الله ومن قراءة القرآن والاستقامة على طاعة الله ورسوله ومحبة الله ورسوله، وأن تحب إخوانك في الله، وأن تكره الكفر وسائر المعاصي كل هذا من أسباب ذوق طعم الإيمان، ووجود حلاوة الإيمان في قلبك وأنسك بطاعة الله ورسوله وتلذذك بذلك بسبب صدقك في طاعة الله ومحبة الله .
وفي هذا السياق قال النووي رحمه الله في شرحه للحديث في صحيح مسلم " معنى حلاوة الإيمان : استلذاذُ الطاعات ، وتحمل المشقات في رضى الله تعالى " فالإيمان له حلاوةٌ والطاعات لها لذّةٌ والعبادات لها سعادة وراحة .
ولذة العبادة هنا هي ما يجده المسلم من راحة النفس وسعادة القلب وانشراح الصدر ، وسعة البال أثناء العبادة وعقب الانتهاء منها .وهذه اللذة تتفاوت من شخص إلى شخص حسب قوة الإيمان وضعفه .وهذه اللذة تحصل بحصول أسبابها وتزول بزوال أسبابها .
وبدوره تحدث ابن تيمية رحمه الله عن تذوق حلاوة الإيمان بالقول " إن في الدنيا جنةً ، منْ لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة " وهذه الجنة هي لذة الطاعة وحلاوة الإيمان .
ومن الثابت وبحسب إجماع الفقهاء أنه كلما زاد الإيمان وقويَ ، كلما شعر المسلم بحلاوة الإيمان ووجد لذّة الطاعة ، وكلما زادت محبته لربه وخالقه كلما زادت حلاوة الإيمان عنده .