لا يسعى أحد على وجه الكرة الأرضية إلى الاحتراب واكتساب عداوة الناس، إلا من سفه نفسه وعمل على نشر هذه العداوة من أجل حاجة خبيثة في صدره، فكل إنسان من البشر يعيش حياة طبيعية بعيدة عن المؤامرات، لا يحب أن يكون هناك مجالا للكراهية أو للتباغض أو للحقد بينه وبين أحد من الناس، لأنه ببساطة الكل يبحث عن الطمأنينة والسلام النفسي، حتى يتدخل الشيطان وينفث سمومه بين الناس، فيحدث الخصام والاحتراب بين الأخ وأخيه، وبين الرجل وصاحبه، وبين المسلم والمسيحي، حتى أصبح العالم دائرة تدور على الناس بالكراهية.
ومن عظيم شعائر الإسلام أنه أمر الإنسان المسلم أن ينقي قلبه من الحسد والكراهية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تناجشوا"، وقال أيضا: " خير من يبدأ بالسلام"، ورغم ما فعله المشركون بالمسلمين من قريش، قال لهم النبي حينما فتح الله عليه مكة "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، ليطلق النبي صلى الله عليه وسلم أعظم وثيقة للتسامح رغم أن الكفار طردوه وآذوه واتهموه باتهامات باطلة وضيقوا الخناق على كل أتباعه وأصحابه، ومع ذلك لم يفكر النبي في الانتقام أو الثأر منهم أو حتى رد الإساءة بالإساءة.
اقتد بنبيك
ولكي تحقق أخلاق التسامح وتعيش مع الناس في سلام، يجب أن تملأ قلبك بالحب لمن حولك، حتى تجد الحب يعود عليك بالحب أيضا، وأن تقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان النبي متسامحًا في كل مواقفه، وانظر له حينما تسامح مع من ظلموه رغم تمكين الله له في الأرض ونصرته وقوته، ولكنه مع ذلك لم ينتقم منهم، وكيف أمر الله عز وجل في حادثة الإفك حينما طعن المنافقون في عرض السيدة عائشة رضي الله عنها، وهم أبو بكر بمنع الصدقة عن بعض أقاربه "مسطح بن أثاثة" لطعنه في شرف ابنته عائشة، فأنزل الله القرآن يأمر فيه أبو بكر أن يستمر في صدقته فقال تعالى: " وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) النور/ 22.
فهل أنت مستعد كي تسامح كل من حولك إخوتك و صاحبك او زميلك في العمل وزوجتك وجيرانك، ومن ظلموك، ولا تحمل على ظهرك أحمالًا ثقيلة تنغص عليك حياتك؟.
فالإسلام حث على التسامح، ونص على أن العفو لا يأتي عند الضعف ولكن العفو يأتي عند المقدرة، ولم تتوقف حدود التسامح في الإسلام حتى مع الأعداء بل والمشركين والكفار، قال تعالى: " لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)فأمر الله عز وجل بالقسط مع غير المسلمين المسالمين، ومن هنا يظهر لنا التسامح، وأنه دين يجمع الناس، وينشر المحبة بينهم.
التسامح دليل قوة
تظهر الرغبة دائما عند الإنسان في أن ينتقم ممن ظلمه، اول ما يجد الفرصة لذلك، ويتحكم فيه غضبه، فيسارع بالشر إذا وجد نفسه قادرا على الانتقام لنفسه، فقد يكون الإنسان مستضعفا ولا يقدر على الانتقام لنفسه حال اعتدى عليه أحد، فيتظاهر بالعفو وهذا ليس من العفو في شيء لأن العفو، ولكن العفو كما ذكرنا عند المقدرة، ويخطئ من يعتقد أن التسامح دليل على ضعف صاحبه وعجزه، بل هو رفعة لصاحبه وعزٌّ لأهله، كما جاء في الحديث: «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»، والحديث الآخر «ما زاد الله رجلاً بعفو إلا عزاً».
وانظر ليعقوب عليه السلام عندما طلب منه أبناؤه أن يسامحهم ويستغفر لهم، ما دعا عليهم وما عنفهم أو زجرهم، ولكن عاملهم بخلق العفو والصفح الجميل.
والعفو من شيم الكبار، وأخلاق الأوفياء، ومنهج أصحاب الهمم، وهو التآلف والتماسك وأن نكون كالبنيان المرصوص، الذي يزيدنا قوة واستقراراً سواء كان من جانب نفسي أو اجتماعي، والتسامح منهج الأقوياء، وليس دأب الضعفاء، فهم أقوياء بالصفح والغفران ولا تضيق صدورهم بتقبل المخالف ولنتذكر قول الله عز وجل: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين).
اظهار أخبار متعلقة
فائدة التسامح
-التسامح والعفو يمكنهما فقط مساعدتك و لا يمكنهما أن يضروك أو يؤذيك، وهو شئ عملي ومفيد للغاية، والصفح يمنحك التحرر، فكلما تعلمت التسامح كلما اختفت تدريجيا العديد من المشاكل ومن بينها المشاكل الصحية اتلتي تأتي من ارتفاع ضغط الدم والحسد والحقد، ويكون بإمكانك استعراض حياتك ككل وسوف ترى أسهل طريقة للوصول إلى المكان الذي تريده، والحياة سوف تفتح أمامك وسوف تظهر أمامك فرص جديدة فى كل مكان.
-كلما تعلمت أن تسامح ، كلما ظهرت بداخلك بعض القدرات التي كانت خاملة من قبل بداخلك ، وسوف تكتشف نفسك لتكون شخص أقوى بكثير وأكثر قدرة مما كنت تتخيل سابقا.
-التخلص من العداوة ،و الكراهية ،و غرس المحبة في نفوس الناس ،و هنا نتذكر قول المولى عزوجل في كتابه العزيز بسم الله الرحمن ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) صدق الله العظيم .
- الفوز بمغفرة الله سبحانه و تعالى و محبته و جنته، قال تعالى: ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) وقال تعالى: ( وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) .
- الفوز بالجنة، فعن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ( ثلاثٌ – والذي نفسي بيدِه – إن كنتُ لَحالفًا عليهِن: لا يَنقُصُ مالٌ من صدقةٍ؛ فتصدَّقوا، ولا يَعفو عبدٌ عن مَظلمةٍ، إلا زادَه اللهُ بِها عزًّا يومَ القيامةِ، ولا يفتَحُ عبدٌ بابَ مسألةٍ، إلا فتحَ اللهُ عليهِ بابَ فقرٍ ).
-زيادة قدرة الفرد على ضبط نفسه و التخلص من الرغبة في الانتقام و الابتعاد عن الحقد و الكراهية .
- الفوز بمحبة الآخرين، و تقديرهم، وتحسين نفسية الفرد، و تخلصه من الأفكار السلبية والعادات غير المستحبة التي تشغله عن تحقيق أهدافه الأساسية .