اجمع العلماء وأهل العلم علي الإيمان بالله في الشّرع لا يقتصر على التصديق الجازم فحسب، بل يزيد على ذلك بتغيّر السلوك والأخلاق بحسب الاعتقاد، فقد عرّف العلماء الإيمان بأنّه اعتقاد بالقلب يؤكّد استقراره عمل الجوارح وقول اللسان فيما عرف أخرون الإيمان بأنه التصديق التام والاعتقاد الجازم بوجود الله -تعالى- وما يجب له من توحيد وتوجّه بالعبادة.
جمهور العلماء بدا واثقا من أنّ الإيمان يزداد وينقص، فالطاعة تزيد الإيمان في القلب والمعصية تُنقصه، بل واجتهد العلماء في تحديد من حزمة من الطاعات والقربات والعبادات التي يجب علي العبد المؤمن ان يكثر من إدائه إذا كان جاد في تقوية إيمانه وعلاقاته بالله وضمان الفوز بجنة عرضها السماوات والأرض متي خلصت النوايا وكان العمل خالصا لوجه الله .
العلماء والفقهاء حددوا حزمة من الطاعات والقربات التي يجب المداومة عليها لتقوية الإيمان منها الإكثار من الطاعات والذي يتم عبر بالتّحلّي بالصبر على تأدية الأعمال الصالحة والمُداومة عليها؛ فالمحافظة على الصلاة والدعاء، وذكر الله -تعالى-، وطلب العلم والسعي إليه والتنقّل بين حلقاته، والحرص على قراءة الكتب وسماعها وغيرها من الأعمال التي تُقوّي الإيمان تحتاج إلى صبر وجلد يمنعان اختراق الكسل إلى النفس.
وعند فقد ذلك يدبّ الملل والضيق إلى القلب مُؤدّياً إلى تفريط العبد بالأعمال الصالحة التي داوم عليها وقد يتركها، لذا كان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يُشبِّه الصبر بالرأس من جسد الإيمان حيث أنّه متى فقده العبد فقد الإيمان
ولتقوية الإيمان يجب عليك كذلك الإكثار من تلاوة القرآن الكريم وحفظه جعل الله -تعالى- القرآن نوراً يهتدي به العبد إلى الإيمان والطريق المستقيم؛ مصداقا لقوله -تعالى-: "وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَـكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" كما وأنّه سبيل المؤمن في نيل الفلاح والنجاة في الدارَين. قال -تعالى-: "قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّـهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّـهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ"،
وعليك كذلك الإكثار من ذكر الله -تعالى- انطلاقا من دور هذا الذكر اللافت في توطيد علاقة العبد بربه، حيث أنّ الغفلة عن الأذكار الشرعيّة الواردة في كلٍّ من القرآن الكريم والسنّة النبويّة لها من الأثر ما يُسبب إدخال الوهن والجمود إلى تلك العلاقةانطلاقا من الإكثارُ مِنْ ذكرِ الله والدُّعاء ا هو روح العبادة للإنسان المسلم:
بالإضافة إلي أن ذكرَ الله يغرسُ شجرةَ الإيمانِ في القلب، ويغذّيها وينمّيها، وكلّما ازدادَ العبدُ ذكرًا للهِ، قوي إيمانُه، كما أنَّ الإيمانَ يدعو إلى كثرةِ الذكر، فمن أحبَّ الله أكثرَ مِنْ ذكرِه، ومحبّةُ اللهِ هي الإيمانُ، بل هي روحُه. وللذكرِ آثارٌ نافعةٌ في حياة المسلمين الدنيوية والأخروية منه
ولا يمكننا في هذا السياق تجاهل أهمية الحرص على عبادة الله –تعالى باعتبار أن عبادة الله تعالى تكون بحال مَن يعبده كأنه يراه ويُشاهده، وإن لم يتمكّن العبد من ذلك استحضر وتذكُّر رؤية الله -تعالى- له؛ فينال بذلك تعزيز الإيمان في قلبه وهو ما يؤدّي بدوره إلى أن يَبلغ درجة حقّ اليقين فيشعر بلذّة العبادة والطاعة.
ومن المهم الإشارة لأهمية معرفة الله سبحانه وتعالي عبر العلم بأسمائه وصفاته، وفهم معانيها، والتفكّر في آثارها؛ كالتأمل في ملكوته وقدرته؛ لقوله -تعالى-: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ وهذا يؤدي بدوره إلى الاعتقاد بأنّ مطلق الكمال والجلال لا يكونا لغيره -سبحانه-.
ولا يغيب عنا في هذا السياق التشديد علي ضرورة تحصيل العلم الشرعي فالعلم يقرب إلى الله -تعالى- ويزيد من خشيته منه؛ فيزداد إيمان العبد به -جل جلاله- لقوله -تعالى-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) حيث أنّ العبد الذي وقف على تفاصيل أمور دينه ويعلم عن المحشر ذلك قليل؛ انطلاقا من قوله -تعالى-: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ
وأجمع أهل العلماء علي أن تجنب المعاصي والمنكرات هو أحد الطرق لِنيل مرضاة الله -تعالى- وشرف القرب منهو الإعراض عن زينة الدنيا وملذّاتها والزهد فيها، والسعي للآخرة لِنيل الجزاء الذي أعدّه الله -تعالى- لِعباده المؤمنين.
ومن القربات التي يجب المداومة عليها الحرص على السنّة النبويّة علماً وعملاً بها، وفهماً لها، والدعوة إليها وبذل الغالي والنفيس للزود عنها عن اي حملة للنيل منها ومناصرتها بكل الوسائل سواء بنشرها والتصدي لأي نوع من البدع التي يراد الصاقها بها والزود عنها باعتبار ذلك فرض عين علي مسلم يرغب في مرضاة ربه وتقوية إيمانه.
اقرأ أيضا:
سنة نبوية مهجورة .. من حرص علي إحيائها قربه الله من الجنةوليس أدل علي رغبة العبد المؤمن في تقوية علاقاته بره من رقَّةُ القلبِ وخشوعُه: حيث إنَّ ذكرَ اللهِ يوجِبُ خشوعَ القلب وصلاحَه ورِقَّتَه، ويذهِبُ الغفلةَ عنه، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ "