دار الإفتاء المصرية ردت علي هذا التساؤل بالقول :الأحكام الشرعية المتعلقة بالحياة بين الزوجين لا تؤخذ بطريقةٍ يبحث فيها كلٌّ من الزوجين عن النصوص الشرعية التي تبيِّن حدود حقوقه وواجباته، أو تجعله دائمًا على صوابٍ والطرفَ الآخر على خطأٍ؛ بحيث يجعل الدين وسيلةً للضغط على الطرف الآخر وجَعْلِهِ مُذعِنًا لرغباته من غير أداء الواجبات التي تجب عليه هو.
الدارقالت في الفتوي المنشورة علي بوابتها الاليكترونية :الحياة الزوجية مبناها على السكن والرحمة والمودة ومراعاة مشاعر كلٍّ من الطرفين للآخر أكثر من بنائها على طلب الحقوق، وفِقه الحياة والخلق الكريم الذي علمنا إياه رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يقتضي أن تتقي الزوجةُ اللهَ تعالى في زوجها وأن تَعْلَمَ أن حُسنَ عشرتها له وصَبْرَها عليه بابٌ من أبواب دخولها الجنة،
شددت الدار علي مطالبة الزوج أيضًا بأن يراعي ضَعفَ زوجته ومشقة خدمتها طوال اليوم للبيت والأولاد، وأن يكون بها رحيمًا، وأن لا يُحَمِّلَهَا ما لا تطيق، فبهذه المشاعر الصادقة المتبادَلَةِ يستطيع الزوجان أداءَ واجبهما والقيامَ بمراد الله تعالى منهما، وسَحْبُ ما هو عند القضاء إلى الحياة غير سديدٍ؛ قال تعالى في كتابه الحكيم: ﴿يُؤْتِي الحِكمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة: 269].
ومن ناحية أخري ردت الدار علي تساؤل نصه :تزوجت ابنتي المهندسة منذ حوالي سنة، وزوجها يمنعها عن أسرتها -أبيها وأمها وإخوتها- ويمنعها عن خالاتها وأخوالها وعماتها وأعمامها وجدتها، وأيضًا عن العالم الخارجي من زميلات وصديقات، ولا يسمح لها أن ترد علينا في التليفون، وفي المرات البسيطة التي كلمناها فيها يكون هو معنا على السماعة يسمع كل الكلام أو يسجله؛ كما يقول لنا، وأيضًا هو لا يسمح لها بزيارة أسرتها ولا يسمح لأسرتها بزيارتها أو التحدث معها هاتفيًّا. فهل يجوز له أن يدفعها إلى عقوق والديها وقطع رحمها؟ وهل يجوز لها أن تعقَّ والديها وتقطع رحمها طاعة له؟
وقالت الدار في معرض ردها علي السؤال :صلة الرحم واجبةٌ شرعًا، وليس للزوج أن يمنع زوجته من الخروج إلى والديها أو أحدهما ولو مرة في الأسبوع؛ فتزورهما مرةً في الأسبوع دون بياتٍ ولو بغير إذنه، ولا يحقُّ له تحت دعوى وجوب الطاعة أن يعزلها عن مجتمعها، بل الواجب عليه أن يحسن عشرتها؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ» رواه الترمذي.
وفي التفاصيل قالت الدار :من المقرر شرعًا أن صلة الرحم واجبةٌ؛ لقوله تعالى: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى﴾ [البقرة: 83]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَقَالَ: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ» رواه الشيخان وغيرهما.
وتابعت الدار بالقول :ولذا فقد صرح فقهاء الأحناف بأن الزوج لا يمنع زوجته من الخروج إلى الوالدين في كل جمعة إن لم يقدرا على إتيانها على ما اختاره في كتاب "الاختيار"، ولا يمنعهما من الدخول عليها في كل جمعة، كذا في "التنوير" و"شرحه"؛ فللزوجة أن تزور والديها مرة كل أسبوع ولو بدون إذن زوجها، وكذلك جدها في حالة عدم وجود أبيها، وجدتها في حالة عدم وجود أمها، إلا أنها لا يجوز لها المبيت بغير إذن الزوج، وهذا هو ولفتت
الدارأشارت إلي إلي أن المعمول به في القضاء الشرعي طبقًا للمادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية أنه: عند عدم وجود نص يُعمَل بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة، ولا تعارض بين ذلك وبين قوامة الرجل في بيته، ولا يحقُّ له أن يستغل أمر الشرع للزوجة بطاعته في منعها من الواجبات التي عليها؛
اقرأ أيضا:
أتنازل عن بعض حقوقي لزوجتي حتى لا أشعرها بأنها أسيرة .. ما الحكم؟وأضافت :فكما لا يحقُّ له أن يمنعها من الصلاة والصيام والزكاة والحج وسائر الواجبات؛ فكذلك لا يجوز له منعها من صلة الوالدين والأرحام، ولا يحقُّ له تحت دعوى وجوب الطاعة أن يعزلها عن مجتمعها فتكون كالمسجونة التي تؤدي مدة الحبس عنده؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ» رواه الشيخان وغيرهما، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ» رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب، ورواه غيره.
وخلصت الدار في نهاية الفتوي :ولا يجب على المرأة طاعة زوجها إذا أمرها بقطع رحمها وعدم بر الوالدين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؛ لأن الطاعة في المعروف. وليتقِ اللهَ الجميعُ: الزوج والزوجة والأحماء ﴿إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ [النساء: 35].