من أكثر ما يلفت الانتباه في الآونة الأخيرة، كثرة وفاة الشباب في حوادث مشابهة في أكثر من مكان، لكن ما كان يجمع بين هؤلاء الشباب أنهم جميعًا شهد لهم الجميع بحسن الخلق، بل بلغ الأمر أن البعض اعتبرهم (اختيار الله) للموت كونهم كانوا يفعلون من الخير الكثير والكثير، وكأن في موتهم عبرة للدنيا والآخرة.
فإذا كان الله عز وجل أماتهم في شبابهم وهم على درجة عالية من حسن الخلق، فإنما هو حسن الخاتمة لاشك، وحسن السيرة لاشك، فكيف بنا نرى أمرًا يجمع بين خيري الدنيا والآخرة، ولا نتعلم أو نتعظ منه؟.. فإن لم نتعظ من موت الشباب في لحظات، فمتى وكيف نتعظ؟.
اللحظات الأخيرة
اللحظات الأخيرة في حياتك هي المرآة لكل حياتك السابقة، فإما تموت على رضا من الله عز وجل، أو العكس وليعاذ بالله، ويذكر أبو نعيم الأصبهاني في كتاب «حلية الأولياء وطبقات الأصفياء»، عن ابن أبجر قال: «لما حضرت سفيان الثوري الوفاة قال: يا ابن أبجر قد نزل بي ما تري فانظر من يحضرني فأتيته بقوم فيهم حماد بن سلمة، وكان حماد من أقربهم إلى رأسه، فتنفس، فقال له حماد: أبشر فقد نجوت مما كنت تخاف، وتقدم على رب غفور، فقال: يا أبا سلمة، أترى الله يغفر لمثلي؟ قال: أي والذي لا إله إلا هو. قال: فكأنما سري عنه».
وفي رواية أنه لما حضرت الوفاة أبا سفيان الثوري، فلما اشتد به الأمر جعل يبكي، فقال له رجل: يا أبا عبدالله، أراك كثير الذنوب؟ فرفع شيئا من الأرض، فقال: والله لذنوبي أهون عندي من ذا، إني أخاف أن أسلب الإيمان عند الموت.
اقرأ أيضا:
سنة نبوية مهجورة .. من حرص علي إحيائها قربه الله من الجنةحسن الخاتمة
فليحذر جميعنا الغفلة من الموت، فإنه يأتي بغتة، وبلا أي مقدمات، حتى صاحب المرض الشديد، ربما ينتظر الناس موته، لكن لا يعلمون الموعد بالتحديد، فلا يتقلب العبد بين ذنب وذنب، فيأتيه الموت وهو على هذا الحال -والعياذ بالله- فيمت بذنبه، وهو لو تعلمون شأن عظيم.
قال تعالى: « وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ » (البقرة217)، فشتان بين هؤلاء وبين المستعدين للآخرة طول حياتهم، فإذا جاءهم الموت خُتم لهم بخير، فمن مات يموت على عمل صالح، ومن ينطق الشهادة عند الاحتضار، وتكون آخر كلامه من الدنيا، ومن يجيئه الموت على أثر طاعة أنجزها فتكون آخر عهده من الدنيا، فلنسأل الله عز وجل أن نكون من هؤلاء.