عندما أشرقت شمس الإسلام بنورها على يثرب أضاءت قلوبا وغمرتها بالإيمان وعميت عن نورها أعين فاسودت منها القلوب وأظلمت منها العقول.
وقد أصابت هذه الحال بعضا من قبائل الأنصار، فكان منهم المؤمنون المخلصون في إيمانهم المضحون في سبيل إسلامهم، وكان منهم الكافرون المتامدون في ضلالهم المبالغون في عدائهم.
ومن قبائل الأنصار التي انقسمت بين الفريقين قبيلة من الأوس هم بنو عمرو بن عوف، فكان من مؤمنيهم الصادقين سالم بن عمير، وكان من كافريهم الحاقدين رجل من سادتهم يدعى "أبو عفك".
أبو عفك اليهودي:
كان أبو عفك عربيا من بني عمرو بن عوف تأثر بجوار اليهود للأوس في يثرب فآمن باليهودية وتدين بها وتعصب لها.
وعندما انتصر المسلمون في بدر، ووصلت البشرى بأخبار النصر المبين إلى يثرب لم يصدق اليهود النبأ أو لم يريدوا أن يصدقوه، فقد كانوا يعتبرون انتصار الإسلام هزيمة لهم وإضعافا لمكانتهم في المدينة.
لذا وقفوا من النصر مواقف متباينة كلها تدل على حقدهم الدفين للإسلام والمسلمين، فقد كانوا بين مشكك في النصر وبين مستهزئ به وبين مهدد بالانتقام لقتلى المشركين من قريش.
وتولى كبر المجاهرة بالعداء نفر من العرب المتهوّدين على رأسهم "أبو عفك الأوسي".
مقتل أبي عفك:
ساء سالم بن عمير ما كان يسمعه من أبي عفك من سبّ المسلمين والسخرية بهم، وساءه أكثر من ذلك ما سمعه من أشعار أبي عفك في ذم المسلمين ودعوة الناس للتخلي عن الإسلام والرسول، وخشي من تأثير أبي عفك على قومه، فقد كان فيهم سيدا وكان للشعر عليهم سلطان.
وفكر سالم في طريقة يقطع بها لسان هذا الرجل الحاقد، وطاف فكره يبحث فيما فعله رسول الله في أمثال هذا الرجل، فوجد أن رسول الله لم يكن يسكت عن هؤلاء الشعراء الذين يشهرون بالدعوة وبالدعاة بشعرهم.
وقرر سالم في نفسه أن يتقرب إلى الله بدم هذا الكافر، وقال: عليّ نذر أن أقتل أبا عفك أو أموت دونه.
اقرأ أيضا:
هل تعرف قصة العاشق التقي؟أبو عفك جثة هامدة:
تربص سالم بأبي عفك يريد أن يقتنص منه غرّة، فقد كان الرجل منيعا في قومه لا يوصل إليه، وكان الجانب الضعيف فيه أنه كان مغترا بنفسه وبمنعته، يظن أن أحدا من المسلمين لا يجرؤ على الاقتراب منه فضلا عن قتله.
فساقه غروره هذا لأن ينام ذات ليلة صائفة بفناء منزله، وكانت هذه فرصة سالم فاقتنصها، لقد أمهل عدو الله حتى استغرق في نومه، ثم تقدم منه حتى إذا كان على رأسه وضع السيف في كبده ثم اتكأ عليه حتى أنفذه.
ودوى صراخ عدو الله من ألم الطعنة وهول الصدمة.. فانطلق سالم مبتعدا عنه بينما أسرع إليه نفر من قومه منجدين له، فما أدركوه إلا جثة هامدة.
والتف القوم حول الرجل الهالك، ونظر كل منهم إلى الآخر كأنما يسأل ما العمل؟ وطال حديث العيون وصمت الألسنة إلى أن قال واحد منهم: من قتل أبا عفك؟ ولما لم يتلق جوابا من أحد قال: والله لو نعلم من قتله لقتلناه به.
وعلم الناس أن سالم بن عمير قد قتل أبا عفك، فسر ذلك المسلمين وحفظوه له، وساء ذلك المشركين والمنافقين واليهود وودوا لو قتلوه به، ولكن الخوف من المسلمين كان قد تمكن من قلوبهم والهيبة منهم كانت قد ملأت عيونهم، فتركوه يمشي بينهم يزيد في غيظهم فتغلي أحقادهم في صدورهم.