بذل المعروف للناس من الأشياء التي تضمن الجنة لأصحابها، وإذا كانت هذه الفضيلة محمودة للناس كافة، فمن باب أولى أن تكون للزوجة، خاصة وأن الرجل في بعض الأوقات، غالبًا ما يقسو على زوجته، وتصل به الأمور من حيث كراهية عشرتها، إلى أنه لا يطيق لها كلمة، ولا يثمن لها معروفًا، ولا يقبل منها سؤالاً، وكأنها أمة مملوكة له يفض فيها شهوته فقط.
كيف تخون زوجتك؟
يصل الأمر في بعض الأوقات لحد إحراج المرأة، وقهرها، وذلك بأن يصد الزوج زوجته عن كل سؤال وكل طلب، وكل اقتراح تقترحه عليه، في الوقت الذي يصغي لغيرها من النساء الغريبة عليها، حتى أن بعض الرجال قد يمتلك زوجة عفيفة وجميلة، وينظر لما هي دونها من الجمال والعفة، بل ويلهث وراءها من أجل نيل كلمة ترضيه، وقد يضيع رزق أبنائه على هذه المرأة التي لا ترضى بغير أمواله، في الوقت الذي تنتظره امرأة أخرى هي حلال له وهي أجمل وأكثر حسنا من الأخرى التي يلهث وراءها، ولكن يبحث الرجل عما يبرر لنفسه خيانة زوجته الأولى.
بل وتشعر في بعض الأوقات، وكما يسخر بعض ناشطات مواقع التواصل الاجتماعي بأن هناك جمل أصبحت محفوظة ومتفق عليها بين الرجال، حينما يبررون لأنفسهم خيانة زوجاتهم، فيدعي أغلب الرجال أن زوجته "نكدية" وأنه لم ير يومًا سعيدًا معها، وأنه تزوجها رغمًا عنه، وربما يصل كذبه بأنه قد اتفق معها على الانفصال عنها، ولكنه يعيش معها بشكل صوري من أجل الأطفال.
وذلك كله من مبررات يقولها لعشيقته ليس إلا ليشوه صورة زوجته، التي تشاركه حزنه وتربي أبناءه، وتصبر على ضيق رزقه، وتوفر له الفراش الهادئ واللقمة الهانئة.
فراحة القلب، وطمأنينته وسروره وزوال همومه وغمومه، هو المطلب لكل رجل، ولكن هل يكون هذا على حساب الزوجة الصابرة التي إذا غبت عنها حفظت شرفك، وإذا ضاق بك الرزق صبرت عليك.
لماذا أصبحت الزوجة دميمة في عينيك الآن، وماهو مبررك بأنها لا تهتم بنفسها ولا بجمالها، وتنظر لغيرها من أصحاب المساحيق والمكياج والفساتين الضيقة، فهل قمت أنت بشراء أي شيئ على سبيل الهدية لها من أجل أن تجمل نفسها أمامك؟ ولو كانت زجاجة عطر، أو جلبابًا جديدًا تلبسه أمامك وفي غرفة نومك؟.
يقول المثل العربي: " اطبخ يا جارية .. كلف يا سيدي"، فأنت السيد، فهل قمت بشراء ما يستلزم لإعادة جمالها وشبابها، فتمردت؟، ولماذا تمردت عليها أنت فجأة، وأصبحت لا تنظر إلا لنفسك فقط ونزواتك وشهواتك، دون النظر لصبرها على فقرك وضيق حالك.
بالطبع يوجد من النساء من تجحد حق زوجها، ولكن ليس كل النساء، فأغلب نسائنا مساكين يصبرون على ظروفنا فهل من المعروف أن نكافئ صبرهم بما لا يليق برجولتنا وإسلامنا.
فمن الأسباب التي تزيل الهم والغم والقلق، الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل، أفليس من باب أولى أن تشمل زوجتك بهذا الخلق؟، فخيركم خيركم لأهله، وبالمعروف للزوجة يهون الله عليك بذله، ويدفع عنك المكاره بإخلاصك واحتسابك، قال تعالى: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (114) سورة النساء.
فأخبر تعالى أن هذه الأمور كلها خير ممن صدرت منه، والخير يجلب الخير، ويدفع الشر. والمؤمن المحتسب يؤتيه الله أجرًا عظيمًا ومن جملة الأجر العظيم: زوال الهم والغم والأكدار ونحوها.
اقرأ أيضا:
أعظم وصية نبوية..وسيلة سهلة لدخول الجنةفإن كرهتموهن.. ماذا تفعل؟
الله يقول في كتابه العزيز: {فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (19) سورة النساء.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر).
قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: "وفي الحديث فائدتان عظيمتان:
إحداهما: الإرشاد إلى معاملة الزوجة والقريب والصاحب والمعامل، وكل من بينك وبينه علاقة واتصال، وأنه ينبغي أن توطن نفسك على أنه لا بد أن يكون فيه عيب أو نقص أو أمر تكرهه، فإذا وجدت ذلك، فقارن بين هذا وبين ما يجب عليك أو ينبغي لك من قوة الاتصال والإبقاء على المحبة، بتذكر ما فيه من المحاسن، والمقاصد الخاصة والعامة، وبهذا الإغضاء عن المساوئ وملاحظة المحاسن، تدوم الصحبة والاتصال وتتم الراحة وتحصل لك.
الفائدة الثانية: وهي زوال الهم والقلق، وبقاء الصفاء، والمداومة على القيام بالحقوق الواجبة والمستحبة، وحصول الراحة بين الطرفين، ومن لم يسترشد بهذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، بل عكس القضية فلحظ المساوئ، وعمي عن المحاسن فلابد أن يقلق، ولابد أن يتكدر ما بينه وبين من يتصل به من المحبة، ويتقطع كثير من الحقوق التي على كلٍ منهما المحافظة عليها.
فليس هناك ما يبعث على الكره التام للزوجة؛ فإن كانت خصلة نقص فثمة خصال كمال، وإن كانت خلة عيب فثمة خلال منافذ كثيرة.
يقول ابن كثير في قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}"أي: طيِّبُوا أقوالكم لهن، وحَسّنُوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (228) سورة البقرة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).
وكان من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، أنه جَمِيل العِشْرَة دائم البِشْرِ، يُداعِبُ أهلَه، ويَتَلَطَّفُ بهم، ويُوسِّعُهُم نَفَقَته، ويُضاحِك نساءَه، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين يَتَوَدَّدُ إليها بذلك.
قالت: سَابَقَنِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَسَبَقْتُهُ، وذلك قبل أن أحملَ اللحم، ثم سابقته بعد ما حملتُ اللحمَ فسبقني، فقال: (هذِهِ بتلْك).
ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها.
وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كَتِفَيْه الرِّداء وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يَسْمُر مع أهله قليلاً قبل أن ينام، يُؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (21) سورة الأحزاب.
وقد أمر الله بحسن المعاشرة والخطاب للجميع، فتوفيها حقها من المهر والنفقة وألا يعبس في وجهها بغير ذنب، وأن يكون منطلقاً في القول لا فظاً ولا غليظاً ولا مظهراً ميلاً إلى غيرها.
حتى عبوس الوجه لا ينبغي أن يكون، فيجب انبساط الوجه وتبسمك في وجه أخيك صدقة، فكيف بزوجتك؟!.
يقول تعالى: {فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (19) سورة النساء.
حتى لا تبادر إلى كره تام وبغض شامل لأدنى خطأ أو لأقل تقصير إن كرهت شيئاً فانظر فلعل هناك خيراً كثيراً… أليست تلك المرأة هي التي بها عفاف نفسك، وهي الحصن الحصين لك من الوقوع في المعاصي والفواحش؟!.
أليست هي حاملة أبنائك؟ أليست هي مرضعتهم؟ أليست هي من تقاسمك السراء والضراء؟ فما بال الرجل العاقل الحصين كأنما قد خف عقله، وطاش فكره فأصبح كالصغير إذا أثير بشيء يسير ثار فلم ينظر إلى غير ذلك من الأمور!"
يقول تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} (21) سورة النساء، ويقول المفسرون: "فلا يقف لفظ "أفضى" عند حدود الجسد وإفضاءاته، بل يشمل المشاعر والعواطف والوجدانات والتصورات والأسرار والهموم، يدع اللفظ يرسم عشرات الصور لتلك الحياة المشتركة آناء الليل وأطراف النهار، وعشرات الذكريات لتلك المؤسسة التي ضمتهما فترة من الزمان، وفي اختلاجة حب إفضاء، وفي نظرة ود إفضاء، وفي كل لمسة جسم إفضاء، وفي كل اشتراك في ألم أو أمل إفضاء.
وعلى الزوجين أن يكونا لبعضهما كما كان أبو الدرداء وأم الدرداء -رضي الله عنهما- كانت إذا غضب سكتت واسترضته، وإذا غضبت سكت واسترضاها، وكان هذا منهجاً انتهجاه من يوم زواجهما، وياله من منهج حكيم، فكم من البيوت هدمت، وكم من الأسر انهارت بسبب غضب الزوجين معاً وعدم تحمل أحدهما للآخر.
وقد روي أن رجلاً جاء إلى عمر رضي الله عنه يشكو خلق زوجته فوقف على باب عمر ينتظر خروجه، فسمع امرأة عمر تستطيل عليه بلسانها وتخاصمه وعمر ساكت لا يرد عليها، فانصرف الرجل راجعاً وقال: إن كان هذا حال عمر -مع شدته وصلابته- وهو أمير المؤمنين فكيف حالي! فخرج عمر فرآه مولياً عن بابه فناداه وقال: ما حاجتك يا رجل، فقال: يا أمير المؤمنين جئت أشكو إليك سوء خلق امرأتي واستطالتها علي فسمعت زوجتك كذلك فرجعت، وقلت: إذا كان حال أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي، فقال عمر: يا أخي إني احتملتها لحقوق لها علي إنها طباخة لطعامي، خبازة لخبزي، غسالة لثيابي مرضعة لولدي وليس ذلك كله بواجب عليها، ويسكن قلبي بها عن الحرام، فأنا أحتملها لذلك، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين وكذلك زوجتي، فقال عمر: فاحتملها يا أخي، فإنما هي مدة يسيرة.