الجنة دار اعدها الله من يستحقه ويعمل لدخولها والتمتع بها ولا يكون ذلك إلا لمن اتقى الله واجتهد في طاعة الله تعالى.
الطيبون والخبيثون:
ومن صفات أهل الجنة التي ذكرها الله تعال في القرآن صفة الطيب؛ فالجنة طيبة لا يدخلها إلا الطيبون، قال تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (النحل: 32).
ومن ثم فعكس هذه الصفة وهو الخبث من صفات أهل النار لأن الخبيث ماكر يكثر من المعادة ويكون وجوده سبب في التشاحن والبغضاء وإشاعة التحاسد والمنكر في المجتمع وكلها صفات بغضها الله تعالى.
النفس الطيبة والنفس الخبيثة:
ومما يدل على أن أصحاب النفس الطيبة من أهل الجنة والنفس الخبيثة من أهل النار ما رواه البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "..وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت، حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى سخط من الله وغضب. قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة، إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهى به إلى السماء الدنيا، فيستفتح له، فلا يفتح له ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} (الأعراف: 40) فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحًا. ثم قرأ: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}(الحج: 31) فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي مناد من السماء أن كذب، فافرشوا له من النار، وافتحوا له بابًا إلى النار، فيأتيه من حرها، وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوءك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة".(رواه مسلم).
والنفس الخبيثة هي ما قاله عنها الهروي في بيان معنى النفس الخبيثة: (أي: خبيثة الخصال غير مرضية الأعمال).
مساوئ الخبث وآثاره:
وللخبث مساوئ تعود على الشخص نفسه وعلى من يعامله ومن آثار الخبث ومساوئه ما يلي:
- الخَبِيث منشغل بتتبُّع عورات النَّاس وأخطائهم
- الخُبْث سببٌ لبذاءة اللِّسان والفُحْش:
إنَّ السَّبَّ والفُحْش وبذاءة اللِّسان مذمومة، ومنهيٌّ عنها، ومصدرها الخُبْث واللُّؤم، قال الغزَّالي: (والباعث على الفُحْش: إمَّا قصد الإيذاء، وإمَّا الاعتياد الحاصل مِن مخالطة الفسَّاق وأهل الخُبْث واللُّؤم ومَن عادتهم السَّبُّ).
- الخُبْث سبب للعداوات بين أفراد المجتمع، قال أبو طالب المكي: (مع الخبث والمكر تكون المنافرة، وهذا كله يُذهب الألفة، وينقص المحبة، ويبطل فضيلة الأخوة).
- الخُبْث سببٌ للحسد:
قال المناوي: (سبب الحسد خبث النَّفس، وأنَّه داء جِبِلِّيٌّ مُزْمِن، قلَّ مَن يسلم منه).
- خَبِيث النَّفس لا يحبُّ الخير لغيره، فيكره لهم الخير، ويحبُّ لهم الشَّرَّ والأذى:
وقد قال بعض العلماء: البخيل مَن يبخل بمال نفسه، والشَّحيح الذي يبخل بمال غيره، فهذا يبخل بنعم الله على عباده الذين ليس بينهم وبينه عداوة ولا رابطة، وهذا ليس له سبب إلَّا خُبْثُ النَّفس ورَدَاءة الطَّبع، وهذا معالجته شديدة؛ لأنَّه ليس له سبب عارض، فيعمل على إزالته، بل سببه خبث الجبلَّة، فيعسر إزالته).
- خبيث النَّفس غير مرتاح البال، فهو مهمومٌ مغمومٌ دائمًا.