التوكل على الله من أعظم مقامات الإيمان وأرقى مراتب العبادة القلبية، وهو اعتماد العبد على ربه في جلب النفع ودفع الضر، مع الأخذ بالأسباب المشروعة. وقد أمر الله تعالى به في كتابه الكريم، فقال: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: 23]، وجعل التوكل علامة صدق الإيمان وحسن التوحيد.
التوكل ليس تواكلاً أو كسلاً، بل هو الجمع بين الثقة الكاملة بالله والسعي الجاد، كما قال النبي ﷺ: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير؛ تغدو خماصاً وتروح بطاناً"، فالطير تخرج تبحث عن رزقها، ومع ذلك قلبها مطمئن بأن رزقها على الله.
ومن فضل التوكل أنه يورث الطمأنينة والسكينة، ويعين على مواجهة الشدائد، ويجعل العبد في معية الله وحفظه، كما قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: 3]، أي كافيه في كل أمره.
وفي واقع الحياة، التوكل على الله يبعث الأمل في النفوس، ويقوي العزيمة، ويغرس في المجتمع روح الإيجابية والعمل، بعيدًا عن القلق المفرط أو الخوف من المستقبل. فالمؤمن المتوكل يسير في حياته واثق الخطى، مستعيناً بالله، متيقناً أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
التوكل إذن مفتاح النجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة، وهو سر القوة الحقيقية للمؤمن، لأنه يستمدها من خالق السماوات والأرض.
كما أن التوكل على الله يحرر الإنسان من التعلق بالمخلوقين، فلا يطلب العون إلا من الله، ولا يخشى إلا إياه، فيعيش حرًّا عزيز النفس، مطمئن القلب. وهذه الحرية الداخلية تمنحه قوة على مواجهة الظلم، وصبراً على البلاء، ورضاً بالقضاء.
ومن مظاهر التوكل في حياتنا أن نستحضر نية الاعتماد على الله في كل خطوة، سواء في طلب الرزق، أو السعي في الدراسة، أو خوض المعارك، أو مواجهة المشكلات اليومية، مع بذل الجهد والأخذ بالأسباب. فالتاجر المتوكل لا يعتمد على مهارته فقط، والطالب لا يركن إلى ذكائه وحده، والمريض لا يثق في الدواء إلا وهو موقن أن الشفاء من عند الله.
إن الأمة التي يتحلى أفرادها بالتوكل الحق، هي أمة قوية لا تهزها الأزمات، ولا تضعف أمام الشدائد، لأنها تستمد قوتها من قوة الله، وتستند في خططها إلى يقين بأن النصر والرزق والتوفيق بيده سبحانه.
وفي النهاية، يبقى التوكل على الله عبادة قلبية عظيمة، ومفتاحاً للراحة النفسية، وباباً لرضا الله، وسبيلاً للتغلب على صعوبات الحياة، قال تعالى: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: 159].