من أهم ما يجب الحفاظ عليه لدى الأطفال الفطر السليمة التي فطر الله الناس عليها.
يقول النبي صلى الله علايه وسلم: ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء ؟".
ويقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم :"فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله".
فالفطرة هي المعيار السليم للتربية السلمية، ولا يتم الحفاظ على الفطرة، إلا من خلال القدوة الحسنة التي يجدها الأطفال أمامهم في المنزل، وفي الشارع وفي سلوكيات أبائهم وامهاتهم، وبناءا عليها يتم تحديد بوصلة هذه الفطرة بالحفاظ على نقائها كما خلقها الله عز وجل، أو تلويثها .
وحذر القرآن الكريم من السير وراء خطوات الشيطان، وتغيير الفطرة التي خلق الله الناس عليها : "وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) أُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121)".
ويعمل الشيطان على تغيير الفطرة التي فطر الله الناس عليها.. هذه الفطرة هي ما جُبِلَ عليه الإنسان في ذاته الداخلية أو الخارجية، وهي أول ما عَرَفَ وما أحس وأول ما وجه شعوره نحوه، وأول عين رأى بها الحياة.
فكل ابن آدمَ ولد على فطرة الإنسانية، التي يعمل الشيطان جاهدا على تغييرها، فنجد أفعالا يقدم عليها البشر يندى لها الجبين، فهذا يقتل أخاه وهذا يخون وطنه، وهذا يجامع محارمه، وهذا يدعو للشذوذ، وغير هذا الكثير.
ويتوافق الإسلام مع الفطر السليمة، فلا تجده حرم حراما إلا وفيه شر للإنسان، ولاتجده أحل حلالا إلا وفيه كل الخير لصاحبه، فالإسلام هو دين الفطرة السوية لاتفاق الإثنين في المصدر، فخالق الفطرة هو مُنَزِّل الدين وفارضه وهو الله عز وجل، ولكنه قد يضع لها ما يُزكيها ويُقَوِم سلوكها ويضع ضوابط لها حتى لا تسلُك مسلكًا مُنحرفًا يؤدي إلى عواقب وخيمة.
فقد فُطِرَ الإنسان على بعض الجبليات التي تستوجب بقاءه في الحياة كالزاوج حتى لا ينقرض الجنس البشري، وحب البقاء، والخوف من العدو. وتعد الفطرة من الخواص الإنسانية فقط، فليس للحيوان فطرة، ولكن هناك تدخل للغريزة يشترك فيها الإنسان والحيوان وهي فعل الشيء لا لسبب إلا لأنه غريزة داخلية، ومن ثم فإن استدراج الفطرة الإنسانية إلى أن تكون محض غرائز يتوجب إشباعها لهو تشبه بالأنعام وغياب للعقل واستغناء عن معنى الإنسان.
ولم يترك الدين الفطرة بلا ضابط أو توجيه بل وَضعَ ضوابط حتى لا تنحرف الفطرة إلى الطرق الحيوانية والغرائزية والشهوانية.
فقد وَضَعَ لفطرة الميول إلى الجنس الآخر الزواج، ووَضَعَ لفطرة حب المال الكسب الحلال والصدقة والزكاة، وفطرة حب النفس والولد والأهل والموطن كونها مباحة لكن لا بُدَّ أن يكون حب الله والرسول صلى الله عليه وسلم أحب وأعلى منها، ولفطرة حب الحياة الترغيب في بذل النفس في سبيل الله.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه حين عُرِجَ به إلى السماء جاءه جبريل عليه السلام بإناءين: في أحدهما لبن، وفي الآخر خمر، فقيل له: اختر أحدهما، فأخذ صلى الله عليه وسلم الإناء الذي فيه اللبن فشربه، فقال له جبريل عليه السلام: "هُديت الفطرة".
اقرأ أيضا:
أعظم وصية نبوية..وسيلة سهلة لدخول الجنة
فلا ميول فطري نحو الخمر أو اللبن، بل إن الفطرة التي تتوجه نحو الحلال والبعد عن الحرام، هي فطرة المسلمين التي هدى الله نبيه عليها.
فشرب الخمر مثلا هو انحراف لهذه الفطرة، لذلك يجب عليك أن يراك ابنك وأنت تشرب الخمر أو تدخن، أو تقوم بفعل من فواحش الزنا .
فالفطرة القلبية هي الموجهة، مثلما وجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اللبن ليس إلى الخمر، إنها هي التي يعيش على إثرها القلب السليم وتتبنى العمل الصالح، وكأن الهوى هو تلك الريح التي تغير مسار الفطرة.
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ» (متفق عليه).
فعندما يفسد الداخل، فيضطرب السلوك وينحرف حتى إنه لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أحبه هواه! مجتمعاتنا تنحدر بسرعة مفزعة في منعطفات الانحراف، يوماً عن يوم يزداد مؤشر الانحراف، فبالأمس كان ذلك الفعل شنيعًا، واليوم أصبح مألوفًا...وعلى هذا فمستنكر اليوم هو مألوف غدًا...حتى يصبح فعل المستنكر هو الرجوع إلى الصواب!، وفي ذلك يقول الله تعالى عن سوء أفعال بني إسرائيل ودلائل انحرافاتهم: {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:79].
اقرأ أيضا:
حتى يؤتيك الله من فضله.. عليك بهذه الأمور