طلب الإنسان في العيش لا ينتهي، والفطن، من عمل لما بعد الموت، وجعل الدنيا قنطرة ووسيلة للآخرة، وليس غاية تنهي عندها الآمال.
قال الحسن البصري رحمه : إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة.
وقال وهيب بن الورد: إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل.
وقال بعض السلف: لو أن رجلا سمع بأحد أطوع لله منه كان ينبغي له أن يحزنه ذلك.
وقال غيره: لو أن رجلا سمع برجل أطوع لله منه فانصدع قلبه فمات لم يكن ذلك بعجب.
وقال رجل لمالك بن دينار رأيت في المنام مناديا ينادي : أيها الناس الرحيل الرحيل فما رأيت أحدا يرتحل إلا محمد بن واسع فصاح مالك وغشي عليه: " وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ، فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ".
وقال عمر بن عبد العزيز في حجة حجها عند دفع الناس من عرفة: ليس السابق اليوم من سبق به بعيره إنما السابق من غفر له.
وقد كان رأس السابقين إلى الخيرات من هذه الأمة أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
قال الفاروق عمر: ما استبقنا إلى شيء من الخير إلا سبقنا أبو بكر وكان سباقا بالخيرات ثم كان السابق بعده إلى الخيرات عمر.
اقرأ أيضا:
للعالم والمتعلم.. نصائح ذهبية من الإمام عليوصاحب الهمة العالية والنفس الشريفة التواقة لا يرضى بالأشياء الدنية الفانية وإنما همته المسابقة إلى الدرجات الباقية الزاكية التي لا تفنى ولا يرجع عن مطلوبه ولو تلفت نفسه في طلبه ومن كان في الله تلفه كان على الله خلفه.
قيل لبعض المجتهدين في الطاعات: لم تعذب هذا الجسد؟ قال: كرامته أريد.
ولهذا قال أحد العبّاد:
وإذا كانت النفوس كبارا .. تعبت في مرادها الأجسام
وكان عمر بن عبد العزيز يقول : إن لي نفسا توّاقة ما نالت شيئا إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه وإنها لما نالت هذه المنزلة - يعني الخلافة- وليس في الدنيا منزلة أعلى منها تاقت إلى ما هو أعلى من الدنيا يعني الآخرة.
فقيمة كل إنسان ما يطلب فمن كان يطلب الدنيا فلا أدنى منه فإن الدنيا دنية وأدنى منها من يطلبها وهي خسيسة وأخس منها من يخطبها.
قال بعضهم: القلوب جوّالة فقلب يجول حول العرش وقلب يجول حول الحُشّ.. الدنيا كلها حش وكل ما فيها من مطعم ومشرب يؤول إلى الحش وما فيها من أجسام ولباس يصير ترابا كما قيل: "وكل الذي فوق التراب تراب".
وقال بعضهم في يوم عيد لإخوانه: هل تنظرون إلا خرقا تبلى أو لحما يأكله الدود غدا وأما من كان يطلب الآخرة فقدره خطير لأن الآخرة خطيرة شريفة ومن يطلبها أشرف منها.
وقال الشبلي: من ركن إلى الدنيا أحرقته بنارها فصار رمادا تذروه الرياح ومن ركن إلى الآخرة أحرقته بنورها فصار سبيكة ذهب ينتفع به ومن ركن إلى الله أحرقه بنور التوحيد فصار جوهرا لا قيمة له العالي الهمة يجتهد في نيل مطلوبه ويبذل وسعه في الوصول إلى رضى محبوبه.
فأما خسيس الهمة فاجتهاده في متابعة هواه ويتكل على مجرد العفو فيفوته إن حصل له العفو منازل السابقين المقربين.
قال بعض السلف: هب أن المسيء عفي عنه أليس قد فاته ثواب المحسنين.