من العبادات والطاعات التي حث رسولنا الكريم وصحابته رضي الله عنهم خلال العشر الأوائل من ذي الحجة الإكثار ممن صلاة النوافل ضمن حزمة من الطاعات التي يجب الالتزام بها لاغتنام رضا الله والفوز بالجائرة الكبري خلال أيام هي الأفضل بشكل مطلق عند الله بالمفارنة بجميع أيام العام .
ومن المهم الإشارة هنا إلي أن صلاة النوافل لها فضل عظيم، وينبغي الإكثار منها في عشر ذي الحجة؛ سيما وأنها أمنة الفرائض، بمعنى أن المحافظ على أدائها يكون على الفرائض أحرص؛ لهذا كان المتقرب إلى الله بها مُستحق لمحبته عز وجل.
رسول الله قال فيما يرويه عن رب العزة سبحانه وتعالي في الحديث القدسي: «.. وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ..»
وطبقا للهدي النبوي الشريف فإن نوافل الصلوات كثيرة، منه سنن الفرائض الراتبة؛ عن عائشة رضي الله عنها قالت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ ثَابَرَ عَلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ». [أخرجه النسائي.
ومن النوافل الواجب الأنتظام في أدائها سنة قيام الليل ولو بركعتين بعد صلاة العشاء، قال: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» أخرجه مسلم، وقال أيضًا: «واعلم أن شَرَفُ الْمُؤْمِنِ قِيَامُه بِاللَّيْلِ». أخرجه الطبراني• ولا يجب أن نتجاهل هنا صلاة الضحى، قال ﷺ: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى (عظم الأصبع) مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى» "أخرجه مُسلم"، وصلاة الضحى هي صلاة الأوابين التوابين، قال ﷺ: «لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب، وهي صلاة الأوابين». أخرجه ابن خزيمة والحاكم.
وفي هذا السياق كذلك تحضر صلاة الوتر، قَالَ سيِّدُنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ، أَوْتِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ، يُحِبُّ الْوِتْرَ» أخرجه أبو داود، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ» "مُتفق عليه"، وأقلُّ الوتر ركعة.
ومن السنن المهمة كذلك في مثل هذه الأيام المباركة سنة الوضوء؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِبِلاَلٍ رضي الله عنه: «عِنْدَ صَلاَةِ الفَجْرِ يَا بِلاَلُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ» قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي: أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا، فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ». متفق عليه.
إذ اكان الإنسان المسلم مطالب بأداء هذه السنن خلال الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة فهو مطالب أيضا بالالتزام بحزمة من الأعمال العظيمة في أيام العشر من ذي الحجة في مقدمتها أداء الحج والعمرة لمن استطاع إلى ذلك سبيلًا، فالحج هو ركن الإسلام الخامس، قال تعالى: "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا" آل عمران: 97].
فالحج المبرور من أفضل الأعمال عند الله عز وجل، فقد سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ». [أخرجه البخاري.
الرسول صلي الله عليه وسلم جعل ثواب الحج الجنَّة، وأخبر أن العمرة بعد العمرة تُكفِّر الذنوب؛ فقال ﷺ: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ». [أخرجه البخاري]
وفي هذه الظروف والقيود التي تحكم أداء فريضة الحج فإذا انتوي المسلم أداءها هذا العام ثم حال بينه وبين الحج عذر كخوف أو مرض كما هو الحال الآن من قصر الحج على سكان المملكة العربية السعودية منعًا من انتشار فيروس كورونا؛ فقد حصَّل ثواب العمل بنيته إن شاء الله.