ليس أعظم ما يشكر العبد به ربه عز وجل من أداء الفرائض كما روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ.
وورد في الأثر أنَّ عمر الفاروق رضي الله عنه سمع مرَّةً رجلاً يدعو ربَّه فيقول: "اللهمَّ اجعلني من القليل"، قال عمرُ: "ما هذا الدُّعاء؟"، قال: أقصد قوله تعالى: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ).(سبأ:13). فقال عمر رضي الله عنه يخاطب نفسه: (كل الناس أعلم منك يا عمر، اللهمَّ اجعلني من القليل الشَّاكر، لا من الكثير الساهي واللاهي).
عبادة الشكر
جاءت الآية الكريمة لتقرّرها بأسلوب فريد لم يُعهد وصيغة لم تَردْ في القرآن الكريم إلاّ في آية واحدة من سورة سبأ، قوله تعالى:(اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ).
وقد ذهب المفسّرون إلى أنَّ المعنى: اعملوا لله على وجه الشكر لنعمائه، وكونوا دائماً من الشاكرين، والتزموا بالشكر وداوموا عليه لله في أي عمل صالح تقومون به؛ فهو الذي قوّاكم على فعل الخيرات.
والشكور اسم فاعل وصيغته مبالغة من شاكر، ويراد من «الشكور» أن يداوم على الشكر لله في كلّ أحواله، وأن يتقن عمله مخلصًا لوجه الله فيه، يشكر بلسانه، ويستحضر فضل الله عليه بقلبه، ويظهر شكره لله على جوارحه وأعضائه، فيلزم الصدق والأمانة والإتقان والحلال، ويتجنّب الغشّ والخيانة والإفساد والإهمال والحرام في المال والأقوال والأعمال والأفعال.
ولما كانوا قلّةً بين الناس في كل عصر، فقد انتهت (الآية ١٣) من سورة سبأ بقوله تعالى: (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُور).
الشكر إيمان وعمل
إنَّ الشكر من شعب الإيمان الجامعة، يملأ النفس رضاً بالخالق، والقلبَ سلامةً من الغلّ، ويورث الأخلاق شعوراً بالقناعة، لينعم صاحبها بالرَّاحة والسَّعادة والطمأنينة.
والشكر عملٌ وليس قولاً فحسب، والعمل يجب أن لا ينطلق من خوفٍ ولا من طمعٍ، بل من شكرٍ للمولى عزَّ وجل.
ففي صحيح البخاري عن المغيرة بن شعبة، قال: (قام النبيُّ صلَّى الله عليه وسلّم حتى تورّمت قدماه، فقيل له: غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر، قال: (أفلا أكون عبدًا شكورًا؟).
شكر النَّاس وتفيضُ عبادةُ شكر الله تعالى إحساناً للناس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:(لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ)، (رواه أحمد وأبو داود والترمذي).
اقرأ أيضا:
10فضائل لصدقة التطوع علي الفرد والمجتمع ..ولهذا تعد الصدقة الجارية أعظم أجرا