سيدنا أنس بن مالك بن النضر النجاري الخزرجي رضي الله عنه صحابي جليل خادم الرسول صلي الله العظيم وواحد من أكثر رواة الحديث عن النبي .. قُتل أبوه مالك بن النضر أبو أنس في الجاهلية، فتزوجت أمه أم سليم مليكة بنت ملحان النجارية وهي أيضًا صحابية من أبي طلحة الأنصاري، وأنس أخو الصحابي البراء بن مالك وكان لأبن مالك أيضا دور مهم في المشاركة في 8من غزوات النبي صلي الله عليه وسلم
وتعود قصة ارتبط الصحابي الجليل أنس بن مالك بالرسول صلي الله عليه وسلم بعد هجرته المباركة إلي يثرب فما أن وطـأت قدمه الشريفة المدينة المنورة ، حتى دفعت أم سليم ابنها أنس للنبي ليقوم على خدمته، وعمره يومها عشر سنين، وقالت له: "يا رسول الله. هذا أُنيس ابني غلام لبيب كاتب، أتيتك به يخدمك، فادع الله له"، فقبله النبي محمد، ودعا له قائلاً: "اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره واغفر ذنبه".
الصحابي الجليل خدم سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم مدة مقامه بالمدينة عشر سنين، عامله فيها النبي محمد معاملة الولد، وكنّاه أبو حمزة، فكان يخصّه ببعض أحاديثه، وأحيانًا ما كان يناديه "يا بني"،وما عاتبه على شئ فعله، وما ضربه قط.
بعد وفاة النبي محمد، استخلف أبو بكر الصديق على المسلمين الذي شهد بداية عهده ردة العديد من القبائل على سلطة المسلمين وعلى دين الإسلام، فآذن ذلك ببدء حروب الردةإذ شارك أنس في تلك الحروب، وكان أحد الرماة المهرة،فكان ممن شهد معركة اليمامة،وبعد استقرار الأمور، أراد أبو بكر أن يبعث أنس بن مالك إلى البحرين ليتولى جباية أموال الزكاة، فاستشار عمر بن الخطاب، فقال له عمر: "ابعثه، فإنه لبيب كاتب"، فبعثه.
وبعد نجاح الصحابي الجليل في مهمته في البحرين عاد أنس رضي الله عنه من مهمته ليجد الخليفة الأول قد مات، وخلفه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، فبدأ بمبايعته، ثم دفع إليه المال ثم انطلق أنس، وشارك في فتوح العراق وبلاد فارس، وشهد معركة القادسية،وفتح تستر، بل وصل الأمر ذروته حين قدم الصحابي الجليل المدينة المنورة على عمر بن الخطاب بحاكمها الهرمزان أسيرًا.
وقد ارتبط قصة فتح مدينة تستر - وهي ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻓﺎﺭﺳﻴﺔ ﺣﺼﻴﻨﺔ ﺣﺎﺻﺮﻫﺎ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥَ ﺳﻨﺔ ﻭﻧﺼﻒ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ، ﺛﻢ ﺳﻘﻄﺖ ﻓﻲ ﺃﻳﺪﻱ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ، ﻭ ﺗﺤﻘﻖ ﻟﻬﻢ ﻓﺘﺤﺎً ﻣﺒﻴﻨﺎً ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺃﺻﻌﺐ ﺍﻟﻔﺘﻮﺡ ﺍﻟﺘﻲ ﺧﺎﺿﻬﺎ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ- بالصحابي الجليل فكان ابن مالك يجش بالبكاء كلما تذكر هذه الموقعة حيث ﺭﻭﻱ ﻋــﻦ ﺃﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺒﻜـــﻲ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﺬﻛﺮ ﻓﺘﺢ ﺗُﺴْﺘَﺮْ
وإذ كان نصر الله قد تحقق في النهاية فلماذا كان يبكي الصحابي الجليل رضي الله عنه ..فلماذا يذرف الصحابي الجليل الدمع عندما يتذكر تفاصيلها لقد فتح الله ﺑﺎﺏ ﺣﺼﻦ ﺗﺴﺘﺮ ﻗﺒﻴﻞ ﺳﺎﻋﺎﺕ *ﺍﻟﻔﺠﺮ ﺑﻘﻠﻴﻞ ﻭ ﺍﻧﻬﻤﺮﺕ ﺍﻟﺠﻴﻮﺵ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺤﺼﻦ.
ﻭ ﺩﺍﺭ ﻟﻘﺎﺀ ﺭﻫﻴﺐ ﺑﻴﻦ ﺛﻼﺛﻴﻦ ﺃﻟﻒ ﻣﺴﻠﻢ ﻭﻣﺎﺋﺔ ﻭﺧﻤﺴﻴﻦ ﺃﻟﻒ ﻓﺎﺭﺱ، ﻭﻛﺎﻥ ﻗﺘﺎﻻً ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻀﺮﺍﻭﺓ والشراسة والقوة ، ﻭ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻞ ﻟﺤﻈﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ ﺗﺤﻤﻞ ﺍﻟﻤﻮﺕ، ﻭ ﺗﺤﻤﻞ ﺍﻟﺨﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ..ﻣﻮﻗﻒ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ﻭﺃﺯﻣﺔ ﻣﻦ ﺃﺧﻄﺮ ﺍﻷﺯﻣﺎﺕ ﻭ ﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ – ﺑﻔﻀﻞ ﺍﻟﻠﻪ - ﻛﺘﺐ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻨﺼﺮ ﻟﻠﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻭﺍﻧﺘﺼﺮﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﻭﻫﻢ ﺍﻧﺘﺼﺎﺭﺍً ﺑﺎﻫﺮﺍًخلده التاريخ .
وتحقق هذا النصر الإسلامي المبين ﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﻣﻦ ﺷﺮﻭﻕ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﺍﻛﺘﺸﻒ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﺃﻥ ﺻــﻼﺓ ﺍﻟﺼّﺒـــﺡ ﻗـــﺪ ﺿﺎﻋـــﺖ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺮﻫﻴﺐ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻓﻲ ﺩﺍﺧﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺯﻣﺔ ﺍﻟﻄﺎﺣﻨﺔ ﻭ ﺍﻟﺴﻴﻮﻑ ﻋﻠﻰ ﺭﻗﺎﺑﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﺼﻠّـــﻮﺍ ﺻـــﻼﺓ ﺍﻟﺼّﺒـــﺢ ﻓــﻲ ﻭﻗﺘـــﻬﺎ
اقرأ أيضا:
قصة النار التي أخبر النبي بظهورهاوهنا يبدو الأمر واضحا لتبرير أسباب بكاء الصحابي الجليل لضياع صلاة ﺍﻟﺼﺒﺢ ﻣﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻳﺒﻜـــﻲ ﻭ ﻫﻮ ﻣﻌﺬﻭﺭ ، ﻭﺟﻴﺶ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻌﺬﻭﺭ، ﻭﺟﻴﺶ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﺸﻐﻮﻝ ، ﺑﺬﺭﻭﺓ ﺳﻨﺎﻡ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻣﺸﻐﻮﻝ ﺑﺎﻟﺠﻬﺎﺩ ﻟﻜﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﺿﺎﻉ ﺷﻲﺀ ﻋﻈﻴﻢ حيث تساءل ابن مالك : ﻭ ﻣﺎ ﺗُﺴْﺘَﺮْ ؟ ﻟﻘﺪ ﺿﺎﻋﺖ ﻣﻨﻲ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﺼﺒﺢ ، ﻣﺎ ﻭﺩﺩﺕ ﺃﻥ ﻟــﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴـــﺎ ﺟﻤﻴﻌـــﺎً ﺑﻬــﺬﻩ ﺍﻟﺼـــﻼﺓ.
ولعل الدرس الأهم الذي خلفته قصة بكاء الصحابي الجليل يتمثل في الأهمية الشديدة التي كان يوليها صحابة النبي للصلاة وهي عماد الدين عموما وصلاة الفجر خصوصا ففتح مدينة بقيمة تستر كمعقل من معاقل الفرس لا يساوي رغم عظمته ضياع صلاة الفجر التي تغافل عنها المسلمون بفعل انشغالهم بهزيمة أعدائهم وإعلام كلمة الله وهو أمر لو تعلمون عظيم ولكنه لا يضاهي ضياع صلاة أبكت طويلا صحابيا جليلا وخادما مطيعا لرسول الله .