للأسف لا أحد ينكر أنه زاد هذه الأيام، الحسد لما هو ظاهر في يد الناس أو أرزاقهم، وينسى الجميع أن ما خفي بالتأكيد أعظم.. فليس معنى أن يلتقيك أحدهم مبتسمًا أنه امتلك الدنيا وما فيها، هل تدري لعله يخبئ وراء هذه الابتسامة همومًا لا يطيق من حملها الجبال!.. قال تعالى يحذر من ذلك: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا» ( النساء 54).
الخطير في الآية السابقة، أن الله يحذرنا من أننا نركز مع الناس ونحسدهم، على ماذا؟.. على ما أتاهم الله من فضله.. إذن في النهاية الأمر كله والعطاء والمنة والمنح كله بيد الله تعالى، فكيف بنا نشغل أنفسنا بما في أيدي الناس، وننسى العاطي الوهاب؟.
الكره والحقد
الحسد بالأساس يعني الكره والبغض بل والحقد أيضًا، إذ يتتمنى هذا الشخص (الحاسد) زوال أي نعمة من يد شخصًا آخر، متناسيًا أن هذا الشخص إنما ما حصل عليه هو ما قدره الله عز وجل له، بل ومتناسيًا الأهم، وهو أن الحسد والحقد لا يمكن ابدًا أن يتصف بهما مسلمًا، لأنها من صفات اليهود الذين كانوا يحسدون المسلمين على ما آتاهم الله من فضله، فأخرج من الأمة العربية آخر الأنبياء وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فحمل الرسالة إلى العالمين، ولم يكن منهم.. وبالتالي هل ينسى هذا الحاقد أو الحاسد أن يحسب على أخلاقهم؟!، كما قال تعالى: « وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ » (البقرة: 109)، أي يريد أن يمنع الخير عن صاحبه كما أراد اليهود منع الخير عن المسلمين.
اقرأ أيضا:
8ثمار رائعة للإيمان بالقضاء والقدر ..مصدر انشراح الصدر والرزق الوفير .. سلم زمام أمرك للهلا (الناهية)
يقول أهل التخصص في اللغة، أن لا (ناهية)، أي تعني في أي موقف تذكر فيه النهي عن هذا الشيء، لذلك حينما قال النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم: «لا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا»، كان نهيًا بصيغة الأمر، وبالتأكيد أن ما يقوله النبي عليه الصلاة والسلام لابد أن يأخذ به المسلمون، وإلا ما الفائدة من أن تتبع نبيًا ولا تعمل بما جاء به؟!.
يروي أحدهم، أن كان يمر بظروف مالية قاسية جدًا، ويومًا ما دون أن يقصد خرج بجلباب ثمين بعض الشيء، كان قد اشتراه قبل ذلك بفترة طويلة، فلما رآه الناس، تصوروا أنه (يمثل عليهم)، وبات الجميع يتحدث عن أنه يخبئ الكثير من المال، فكانت النتيجة أن تمزق الثوب وهو يرتديه، فأراد أن يخرج للناس يعاتبهم على ما قالوا، لكنه فضل اللجوء إلى الله عز وجل يشكو حاله.. لكن بالتأكيد جميعنا يحتاج لأن يتوقف قليلا قبل أن يتحدث عن غيره، لعل ما به أشد منك بكثير، لكن كثير من الناس لا يحبون الظهور في مظهر غير لائق، قال تعالى: «لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ» ( البقرة 273).