موت الفجأة أو موت الفوات هو خروج الروح وانتهاء الأجل بشكل مفاجئ دون أي علامات على اعتلال الصحة أو دنو الأجل، فقد يحدث والإنسان يمارس عمله أو حياته اليومية فيغادر الحياة خلال لحظات قصيرة، وكثرته في هذه الأيام هو من علامات الساعة الصغرى
قد يكون الموت المفاجئ رسالةً ربانيةً للناس لكي يستعدوا ويتهيؤوا ، كما أشار اليها الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولهذا فقد كان الكثير من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والسلف الصالح والأئمة والعلماء والأولياء الصالحين والعارفين بالله ( رضوان الله عليهم ) دائمًا على أهبة الاستعداد للرحيل، بحيث لو قيل لأحدهم أنك قد تموت في هذا الشهر ، لن يضيف شيئاً في العمل الصالح، لأنَّه كان مستغرقاً كافة أوقاته وجهوده في الأعمال الصالحة، ومُبتَعداً عن الذنوب والمعاصي والآثام والمحرمات وكل ما يُغضِب الله سبحانه وتعالى .
ومن المحتمل أن يكون ( موت الفجأة) خيراً، وكذلك يُحتمل أن يكون شراً، بحسب اختلاف حال المتوفى، وما له عند الله عز وجل ، فإن كان المتوفَّى من أهل التقوى والصلاح والخير، وله عند الله تعالى ، من الحسنات والأعمال الصالحة ما يُرجَى أن تكون له نوراً بين يديه يوم القيامة ، ومن كان كذلك فجميع صور الموت بالنسبة له من الخير، سواء موت الفجأة، أو بعد معاناة سكرات الموت ؛ فموت الفجأة رحمة وتخفيف وعفو من الله سبحانه وتعالى ، فلا يجد من ألمِ الموت وشدة سكراته ومعاناة مرضه شيئاً يذكر، وإن وقع له ذلك ، ولم يكن موته فجأة كان تكفيراً وطهوراً لذنوبه وسيئاته، ورحمةً له من الله تعالى ، ورفعة لدرجاته عند الله، تصديقاً لما أخبرنا به النبي الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( أنَّ أمر المؤمن كله له خير، وأن موت المؤمن راحة له من نَصَب الدنيا وعذابها، إلى نعيم الآخرة )، بحسب ما يذكر د. محمد أبو سمره.
ولا يمكن اعتبار موت الفجأة أمارة على سوء الخاتمة ، حيث قال تعالى: { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}.(الأعراف ـــ الآية34)، وقال تعالى:{ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا ۗ وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ۚ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ }.(آل عمران ـــ الآية 145).
أورد الإمام البخاري ( رضي الله عنه ) ، في صحيحه حديث أم المؤمنين السيدة عائشة ( رضي الله عنها) ، فروت أنَّ : ( رجلاً قال للنبي " صلى الله عليه وآله وسلم" : إنَّ أمي افتلتتْ نفسها، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر ان تصدقت عنها؟ ) ، قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : (نعم). والمقصود بالافتلات: الموت بغتةً. وفي صحيح الإمام مسلم (رضي الله عنه ) ، عن عبدالله بن مسعود ( رضي الله عنه ) ، قال: } قالت أم حبيبة زوج النبي " صلى الله عليه وآله وسلم ":( اللهم أمتعني بزوجي رسول الله، وبأبي سفيان، وبأخي معاوية) ، فقال النبي " صلى الله عليه وآله وسلم ":( قد سألت الله لآجالٍ مضروبة، وأيامٍ معدودة، وأرزاقٍ مقسومة، لن يُعجِّلَ شيئاً قبل أجله، ولن يؤخّر شيئاً عن أجله، ولو كنتِ سألتِ الله أن يُعيذَكِ من عذابٍ في النار، وعذابٍ في القبر، كان خيراً وأفضل).
وأجمعَ العلماء ، أنَّ المقتول ميت بأجله، فعلم الله تعالى وقدّرَ وقضى أنَّ هذا يموتُ بسببِ المرض، وهذا بسببِ القتل، وهذا بسببِ الهدم، وهذا بسببِ الحرق، وهذا بالغرقِ ، إلى غير ذلك من الأسباب، والله سبحانه وتعالى ، خلقَ الموتَ والحياة ، وخلق سبب الموت والحياة.
وعلى الإنسان أن يعمل وفق الحكمة المشهورة : ( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ). ونقل الإمام الطبراني ( رضي الله عنه ) ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، الحديث الشريف : ( إنَّ من أمارات الساعة ، أن يظهر موت الفجأة) . وفيما لو كان المتوفَّى من المقصرين، أو الفسقة والظلمة أو الكفرة: فإنَّ موت الفجأة بالنسبة له نقمة وغضب، اذ عوجل بالموت قبل التوبة، ولم يُمهَل كي يستدرك ما مضى من تفريطه وتقصيره، فأُخِذَ أخذةَ انتقام وغضب ، كما وصف النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقال: (مَوْتُ الْفَجْأَةِ أَخْذَةُ أَسَفٍ) رواه أبو داود.
أحياناً يتمنى بعض الناس الموت لدى أية مشكلة ومصيبة تنزل عليه، وخصوصاً لو أصيب المرء بمرضٍ عُضال ، ومن المؤكد أنَّ المرض العُضال والآلام المستمرة لوقتٍ طويل تستثقله النفس، ويعتريها العجز وعدم التحمل، حتى يتمنى البعض الموت للتخلص من تلك الآلام والأوجاع والمتاعب ، وقد نهى النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك ، وقال: (لا يتمنين أحدكم الموت لضرٍ نزل به، فإن كان لابد قائلاً فليقل : اللهم أحييني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيرًا لي). وعلى المؤمن أن يحتسب الأمراض وما يصاحبها من أوجاعٍ وآلام ومعاناةٍ ، خيرًا وأجرًا وثواباً وطهوراً من الذنوب والمعاصي ، لقول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) : ( ما يُصيب المسلم من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ ولا هَمٍ ولا غَمٍ ، حتى الشوكة يُشاكَها ، إلاَّ كفَّرَ الله بها من سيئاته ). موت الفجأة وضياع الحقوق: في الموت المفاجئ ضياع للحقوق بين الناس ، ولهذا رُوِيَ عن الإمام أحمد بن حنبل ( رضي الله عنه ) قوله : ( أكره موت الفوات).
وسبب الكراهية لموت الفجأة ، لما فيه من خوفِ حرمان الوصية، وفوات الاستعداد للمعاد بالتوبة والاستغفار والتقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة، ولأنَّ الإنسان في صحته وسعيه يأمل بالحياة الطويلة، ويتهاون بكتابة الوصية وما له وما عليه، رغم أنَّ ذلك مندوب ، لقول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الحديث الشريف : ( ما حق أُمرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين ، إلاَّ وصيته مكتوبة عنده) .
وللأسف فإنَّ الكثير من الناس يتهاونون بما لهم وما عليهم، فيأتي بعضهم الموت فجأة ، قبل أن يتمكن من كتابة وصيته، فتضيع الحقوق التي له والتي عليه، ولربما تغيب أمور كثيرة عن أولاده وزوجته وأسرته وعائلته صدمة الموت المفاجئ ، والتعبير عن الحزن : إنَّ الموت قضاء محتوم ، وقدَّرَه الله عز وجل للناس والخلق جميعاً ، ويؤمن جميع المسلمين بهذه الحقيقة، ولكن ما يصعب عليهم هو فراق الأحباب ورحيلهم عن حياتهم، ولذلك يمر أهل الفقيد والمقربون منه بحالة نفسية من الحزن والصدمة، والكلام لا زال للدكتور محمد أبو سمره.
اقرأ أيضا:
أعظم وصية نبوية..وسيلة سهلة لدخول الجنةويتسبب الموت المفاجئ بصدمة لأهل وأقارب وأصدقاء ومعارف المتوفى ، وتختلف ردود فعل الناس عليه ، وتعتبر صدمة أهل فقيد «موت الفجأة » هي الأصعب نفسياً، وتصيب بعض الناس ( مرحلة الانكار) ،أي إنكار الحدث تماماً ، كأنه لم يقع ، وهذا الإنكار ، هو حيلة دفاعية (نفسياً وعصبياً وذهنياً) ، وأسلوباً تكيفياً في الساعات الأولى وبدايات وصول خبر «موت الفجأة» ، لأنَّ الواقع والمصيبة أكبر من قدرة الإنسان على التحمل، ومن الطبيعي جداً أن يُعبِّر الإنسان عن حزنه في الموت .
وليس هناك ما يمنع من الناحية الشرعية أو الاجتماعية والعرفية والسيكولوجية أن يعيش الإنسان لحظات وأوقات الحزن لرحيل عزيز عليه، ثم يعود بعد فترة للتعايش مع الحياة والحقيقة ، ومن الطبيعي أنَّ تجعل المفاجأة الإنسان يفكر في عبثية الدنيا فينعزل لبعض الوقت ، فالله سبحانه وتعالى يعرفنا أكثر من معرفتنا بأنفسنا ، فيخفف على الإنسان بالتدريج، فهي ردة فعل تكيفية وإيجابية للبعض في بدايتها، ثم يدرك الانسان بعد ذلك الحقيقة بكامل حذافيرها ، ويعيشها ، فالحزن مسألة طبيعية في تكوين الإنسان ، فقد بكى الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، إبنه إبراهيم ، وحزن على أُمُ المؤمنين السيدة خديجة (رضي الله عنها) ، ولهذا فمن الطبيعي أن يُعبِّر الإنسان عن حزنه، ومن غير الصحي ألاَّ يعيش اللحظة الحزينة.
اقرأ أيضا:
حتى يؤتيك الله من فضله.. عليك بهذه الأموراقرأ أيضا:
بشارات نبوية للأمة المحمدية.. هؤلاء يدخلون الجنة بلا حساب