كان عروة بن الزبير بن العوام رضي الله عنه شقيق الصحابي عبد الله بن الزبير من فقهاء المدينة السبعة، الذين تدور عليم الفتوى في العالم الإسلامي في ذلك الوقت، متصدرا للعلم والفتيا.
وكان يقول لبنيه: رب كلمة ذل احتملتها أورثتني عزا طويلا.
مواعظه وكلامه الحسن:
وقال: إذا رأيت الرجل يعمل الحسنة فاعلم أن لها عنده أخوات، فإن الحسنة تدل على أختها، وإذا رأيته يعمل السيئة فاعلم أن له عندها أخوات، فإن السيئة تدل على أختها.
وقال لبنيه لا يهدين أحدكم إلى ربه عز وجل ما يستحي أن يهديه إلى كريمه، فإن الله أكرم الكرماء وأحق ما اختير له.
وقال: الناس بأزمنتهم أشبه منهم بآبائهم.
وقال: مكتوب في الحكمة: لتكن كلمتك طيبة، وليكن وجهك بسطا، تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم العطاء.
اقرأ أيضا:
سعد بن أبي وقاص.. صحابي مجاب الدعوة.. بم بلغ هذه المنزلة؟صبره وقوته:
وقيل: خرج عروة إلى الوليد بن عبد الملك , فوقع في رجله الآكلة وصعدت في ساقه، فبعث إليه الوليد الأطباء، فقالوا له: ليس لها دواء إلا أن تقطع رجله، فقطعت رجله بالمنشار وهو صائم، وهو شيخ كبير فما تضور وجهه ولم يمسكه أحد.
ودخل ابنه محمد بن عروة، وهو أكبر ولده، دار دواب الوليد فرفسته دابة فقتلته، فخر وحمل ميتا، فقال: " لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا".
ولم يدع تلك الليلة ورده، وكان يقرأ ربع القرآن في كل يوم في المصحف، ويقوم به ليله، ويتمثل بأبيات معن بن أوس:
لعمري ما أهويت كفي لريبة ... ولا حملتني نحو فاحشة رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصري لها .. ولا دلني رأيي عليها ولا عقلي
وأعلم أني لم تصبني مصيبة .. من الدهر إلا قد أصابت فتى قبلي
ثم لما قدم المدينة قال: اللهم إنه كان لي أطراف أربعة، أخذت منها واحدا وبقيت ثلاثا فلك الحمد، وكان لي بنون أربعة فأخذت منها واحدا وبقيت ثلاثة فلك الحمد، وايم الله لئن أخذت لقد أبقيت، ولئن ابتليت لطالما عافيت.
وكان يقول: ما أحسن ما صنع الله إلي، وهب لي سبعة بنين فمتعني بهم ما شاء الله ثم أخذ واحدا وأبقى ستة، وأخذ عضوا وأبقى لي خمسا، يدين ورجلا وسمعا وبصرا.
ولما اتخذ قصرا بالعتيق قال له الناس: جفوت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت مساجدهم لاهية، وأسواقهم لاغية، والفاحشة في فجاجهم عالية، فكان فيما هنالك عما هم فيه عافية.
وكان أيام الرطب يفتح حائط بستانه ثم يأذن للناس فيه فيدخلون ويأكلون ويحملون، وكان إذا دخله ردّد هذه الآية: "ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله"، حتى يخرج.
قال أهل التاريخ: عروة بن الزبير أخو عبد الله بن الزبير، أمهما أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وكان من أفاضل أهل المدينة.
توفي سنة أربع وتسعين، وقال يوم مات: أخشاك ربي وأرجوك، أخشاك ربي وأرجوك.