عزيزي الكاذب، يا من تتلذذ بكذبك، ألم تعلم أن كل المخلوقات تمقت الكذب، ولا تحبه، ألا تعلم أن إبليس بذاته كان صادقًا في بعض الأمور، ألم تسمع قوله تعالى على لسان إبليس: «وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» ( إبراهيم 22).
انظر لمعنى الحديث، كأن إبليس ذاته يتبرأ من الكذب، ولا يتمسك إلا بالصدق، وهو أين؟.. وهو أمام الله عز وجل، يبلغ عنكم أيها الكاذبون.. يتبرأ من أفعالكم، ويقول بمنتهى الصراحة: «وَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ»، بل لا يقف عند ذلك ويضيف: «لُومُوا أَنفُسَكُم ۖ ».. متى فعلا نلوم أنفسنا ونعود أدراجنا إلى الطريق الصحيح.. أم أننا مازلنا لا ندري ما هو الطريق الصحيح، ولا كيف الوصول إليه؟.
كن مع القليل
عزيزي المسلم، كن مع القليل الذين يرفضون الكذب مهما كانت دوافعه، ولا تكن من الكثرة الذين يمشون خلف إبليس دون وعي، فيكذبون، ويتصورون أن الكذب نجاة، وهو لاشك هلاك، قال تعالى: «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» ﴿٢٠ سبأ).
الغريب في الأمر، أن إبليس الذي يسير الناس خلفه في الكذب وكافة الأعمال التي لا ترضي الله ورسوله، أحيانًا ما يكون صادقًا، صحيح صدقه إنما إما للتشفي فينا بني البشر، أو لأنه لا مجال أمامه إلا الصدق، لكنه في النهاية يقول الصدق، على الرغم من أن بعض الناس باتوا يكذبون كالماء والهواء، ولا يتخلون أبدًا عن كذبهم تحت أي ظرف مهما كان، مثل هؤلاء كيف سيتحرون الكذب أمام الله يوم القيامة؟. هل نسوا أنه يعلم السر وأخفى؟!.
اقرأ أيضا:
كيف يكشف الشح عوراتك أمام الأخرين؟صدق وهو كذوب
يروى أن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه، زاره إبليس لمدة ثلاثة أيام متتالية، وهو يحاول سرقته، فلما أن جاء اليوم الثالث، وأراد أبي هريرة أن يشكوه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذ بإبليس يقول له: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، فقال أبي هريرة: ما هو؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: « الله لا إله إلا هو الحي القيوم» (البقرة:255) حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح، فخلى أبي هريرة سبيله، فلما أصبح ورى ما حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام: «أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟ ) . قال: لا، قال: ( ذاك شيطان ).