الشح من الصفات الذميمة التي تكشف عورات صاحبها، وهي غريزة إنسانية تحمل صاحبها على البخل والحرص والطمع والحقد، والحسد والقطيعة، والفجور، بدليل ما جاء في هذا الحديث، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالشُّحِّ أَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا".
يقول الله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [غافر: 21-22].
أمر الله عز وجل أن نتعظ من مصائر الأمم السابقة، وأن ناخد العبرة من مهلكاتهم التي أدت لزوالهم بغضب من الله، ومن أكثر الأشياء التي تؤدي لهلاك الحرث والنسل هو الشخ.
فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍ –رضي الله عنهما قَالَ: "خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالشُّحِّ أَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا".
يكشف لنا النبي صلى الله عليه وسلم عاقبة الشح, ويبين لنا سوء هذه العاقبة، فيقول: "إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ" أي: احذروه كل الحذر، وخلصوا أنفسكم منه، ولا تستجيبوا له إذا دعاكم إلى البخل بما في أيديكم، أو إلى الطمع فيما في أيدي غيركم، أو إلى تقطيع أرحامكم وأواصر الصداقة فيما بينكم، أو أمركم بالتخلي عن واجباتكم الدينية والدنيوية؛ فإن الشح داء وبيل، يصحبه الخسران المبين في الدنيا والآخرة.
اظهار أخبار متعلقة
الشح مهلكة
لينير لنا النبي صلى الله عليه وسلم الطريق، بتجنب الشح، لأنه مهلكة، فكم من فقير يعاني من الفقر نتيجة شح غيره من الناس، وكم من عاطل عن العمل نتيجة بخل غيره في شراء ما يطيب له من الطعام والشراب والملبس، وكم من تقارير اقتصادية تؤكد أن شح الناس وبخلهم عن الشراء يؤدي إلى الكساد والضيق.
لذلك قال الله تعالى: { وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (سورة التغابن: 16)
و الشح هو أشد أنواع البخل وقد وصف الله المنافقين به، وعممه في كل ما لا تجود النفس به، فقال: { قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا } (سورة الأحزاب: 18- 19).
ولشح أوسع دائرة من البخل، وهو داء عضال لا يستطيع المرء أن يتخلص منه إلا بمشقة بالغة وحيلة بارعة، وربما أدى الحرص بصاحبه إلى تقديس ما يحرص عليه، حتى يكون منه بمنزلة السمع والبصر، فيجعله مبلغ همه، ومنتهى أمله، فيصير عبداً له، وينسى معه الوظيفة التي خلقه الله من أجلها، فلا يقيم الصلاة في أوقاتها حرصاً على العمل الذي يدر عليه الرزق الكثير، والخير الوفير، ولا يؤت الزكاة التي افترضها الله عليه اعتقاداً منه أن الزكاة تنقص المال، ولا يؤت ذوي القربى حقهم بل ولا يذهب لزيارتهم كيلا يسألوه حاجة من حوائجهم، أو كيلا يحسدوه على ما عنده من خير فيزول هذا الخير بسبب حسدهم.
كما يدفع الشح إلى الفجور، وهو ارتكاب ما لا يحل شرعاً، من أجل البقاء على ما في يديه، والطمع في زيادته وتنميته بشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة، فهو عبد لما ملك، وعبد لما يطمع في تملكه. وهذا هو الخسران المبين في الدنيا وفي الآخرة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ"، وقد أهلك الشح الأمم قبلنا فلا ينبغي أن نكون مثلهم فتحذوا حذوهم، وحتى يرسّخ النبي صلى الله عليه وسلم فيهم هذا المبدأ ؛ بيّن لهم خطورة الحيدة عن هذا المنهج الدقيق ، وأثر ذلك في هلاك الأمم السابقة ، وكان شحهم واختلافهم سببا لهلاكهم ، وخير مثال على ذلك ، ما كان عليه قوم موسى عليه السلام ، فإنهم لما طُلب منهم ذبح بقرة ، تنطّعوا في السؤال عن أوصافها ، وتكلّفوا في ذلك ، وكان في سعتهم أن يأتوا بأي بقرة ، ولكنهم أبوا ذلك ، فشدّد الله عليهم ، ولما اختلفوا على أنبيائهم ، لم تقبل منهم التوبة إلا بقتل أنفسهم ، وعاقبهم الله بالتيه أربعين سنة ، والجزاء من جنس العمل .