تركب الميكروباص، أو المترو، أو أي وسيلة مواصلات مهما كانت، إلا وتسمع العديد من الناس يخوض فيما لا يعنيهم، هذا يعلق، وهذا يفسر، وهذا يقول لك عندي معلومة، وما لديه سوى الكلام الخبيث والغيبة.. وينسى كل هؤلاء أن الخوض فيما لا يعني أمر مذموم في الإسلام، وكذلك فضول الكلام والزيادة فيما لا يعني أمر مذموم، قال تعالى: « لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ » (النساء: 114).
هناك حكمة تقول: (من تدخل فيما لا يعنيه.. نال وسمع ما لا يرضيه).. ومع ذلك، ترى الكل -إلا من رحم ربي- يتدخل فيما لا يعنيه، ويعتبرها (نصاحة وشطارة)، ثم ما يلبث أن يسمع ما لا يرضيه، يغضب بشدة، ترى لو كنت مسكت عليك لسانك، بالتأكيد لم تكن لتصل إلى هذه المرحلة من عدم الكرامة وسوء الإهانة.
وأنت مالك!
ترى أحدهم يتكلم فيما لا يعنيه، وعندما يسمع كلمة من أحدهم (وأنت مالك)، يغضب غضبًا شديدًا، ويعترض ويرفع من صوته، ويصرخ في الجميع، نعم (مالك أنت)، لم تتدخل فيما لا يعنيك.. هل هناك في الإسلام من يمنحك هذا الحق؟.. بالتأكيد لا.. إذن لماذا الإصرار على الخوض في أعراض الناس بمنتهى القوة، وحينما يمنعك أحدهم تغضب.. أوليس الأحق أن تمنع نفسك أنت.. ألم تعلم أنها كبيرة ومن أكبر الكبائر، أن تخوض في أعراض هذا وذاك، فقد حث النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم على استغلال الأوقات، وترك ما لا يعود على المرء بالخير والنفع، فعن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من حسن إسلام المرء: تركه ما لا يعنيه».
اقرأ أيضا:
"قول معروف خير من صدقة يتبعها أذى".. حتى لا تبطل صدقتكاهتم بحالك
أليس من الأولى أن تهتم عزيزي المسلم بحالك أنت، وتترك أحوال الناس لحالهم، يقول الفاروق عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: «لا تعترض لما لا يعنيك، واعتزل عدوك، واحذر صديقك إلا الأمين من الأقوام، ولا أمين إلا من خشي الله، ولا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره، ولا تطلعه على سرك، واستشر في أمرك الذين يخشون الله»، فعلينا أن نعي جيدًا أن أخلاق الإسلام الفاضلة، إنما هي لسعادة الفرد وراحة المجتمع، وبالتالي لا يمكن أن يوافق الشرع على من يعيشون على غيبة الناس، مهما كانت مبرراتهم، قال تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ » (المائدة : 105).