في بعض الأحيان نحمل أنفسنا مالا تطيق، فالإنسان عبارة عن لحم ودم، من الممكن في أي لحظة مع زيادة الضغوط أن يرتفع ضغط الدم، فيحدث وفاة مفاجئة نتيجة تحمل الإنسان لأعباء لا يقدر عليها الجسد، وقد نهى الله عز وجل أن يتحمل الإنسان فوق ما لا يطيق، وقال تعالى في سورة البقرة: " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، فالضغط هو التزامات العمل أو مرض أحد الأبناء أو مواجهة ازدحام في حركة السير، والضغط هو الاستجابة التلقائية المقاومة أو الهروب في الجسم والتي يعدها الأدرينالين وسائر هرمونات الضغط التي تثير مجموعة من التغيرات الفسيولوجية على الجسد.
رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ السُّوَائِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: آخَى النَّبِيُّ -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا.
فجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فقَالَ: كُلْ، قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، قَالَ: فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ، فنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، قَالَ سَلْمَانُ: قُمِ الآنَ، فَصَلَّيَا.
فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: "إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ". فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "صَدَقَ سَلْمَانُ"(رواه البخاري).
فالإسلام دين سماحة ووسطية، فكما لم يحملك الله عز وجل في عبادته مالا تطيق، ولم يفرض عليك ما لم تقدر عليه، أيضا نهى الإسلام ان يحمل الإنسان نفسه مالا يطيق من أعباء الدنيا وضغوطها، ومشكلاتها التي لا تنتهي، فأنت فقط عند الابتلاءات والمصائب مطالب بالسعي وعلى الله التوفيق، قَالَ تَعَالَى-: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)[القصص: 77].
فهنا تظهر أهمية التوازن في الحياة، وضرورة التوفيق بين الحقوق والواجبات، ففرض الله على المسلم أن يَكُونَ مُتَّزِنًا فِي تَعَامُلِهِ، لاَ يَهْتَمُّ بِأَمْرٍ يَكُونُ اهْتِمَامُهُ بِهِ عَلَى حِسَابِ غَيْرِهِ، وَلاَ يُقَدِّمُ الْمُهِمَّ عَلَى الأَهَمِّ، فَاللهُ -سُبْحَانَهُ- لَمْ يَخْلُقِ الإِنْسَانَ فِي هَذِهِ الأَرْضِ عَبَثًا، وَلَمْ يَتْرُكْهُ هَمَلاً، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ)[المؤمنون: 115].
وَقَدْ بَيَّنَ رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حَقَّ اللهِ تَعَالَى، عِنْدَمَا سَأَلَ مُعَاذًا؛ فَقَالَ: "يَا مُعَاذُ! أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ وما حقُّ العبادِ عَلَى الله؟"، قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "فَإِنَّ حَقَّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللّهِ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً"(متفق عليه).
اظهار أخبار متعلقة
حقق النفس على صاحبها
فمن حقوق النفس على صاحبها ألا يطأ بها مواطن الشك والريبة، وألا يعرضها لغضب المنتقم الجبار سبحانه الذي يسر لنا سبل النجاة من تجليات صفات القهر والجبروت علينا، وذلك حين نهانا عن الاعتداء على أنفسنا، خاصة وأن البعض قد يلجأ للانتحار يأسا من رفع بلائه، يقول تعالى: «وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» (الأنعام /151).
فالنهي عن قتل النفس أي النهي عن تعريضها لمثل هذا الموقف الذي تصبح النفس فيه رخيصة عند صاحبها ويكون سلوكه الإجرامي السبب الذي جعلها عرضة لحكم الإعدام أو القصاص والنفس عند الله تعالى غالية، ومن قتل نفسًا من دون ذنب ارتكبه صاحبها فكأنما قتل الناس جميعا حين يصبحون غير آمنين على حياتهم يقول الحق سبحانه وتعالى: «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسرائيل أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ» (المائدة/ 32).
فقد خلق الله عز وجل النفس وجعل لها قدسية، من يعتدي عليها فكأنما اعتدى على الناس جميعًا ومن حماها أو دافع عنها ووضع لها من التشريعات ما يحفظ لها دماءها وكرامتها فكأنه فعل ذلك بأنفس كثيرة.
وعلى الإنسان أن يسعى في تحصيل ما يجلب لها السكينة والطمأنينة والسعادة، بحضور مجالس الإيمان، وكثرة ذكر الرحمن، وقراءة وتدبر القرآن؛ فـ [ما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ](رواه مسلم).
وبذكر الله تطمئن القلوب: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ}(الرعد:28، 29).
ومع ذلك لابد من التوازن بين حمل النفس على العبادة والترويح عنها بما أحل الله ليكون عونا لها على الجد والنشاط.. كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم لحنظلة: [ساعة وساعة]. بمفهومها الصحيح.
اقرأ أيضا:
8فضائل للنهي عن المنكر .. سفينة المجتمع للنجاة ودليل خيرية الأمة الإسلامية ..تكفير للذنوب ومفتاح عداد الحسناتفكر سديد وعقل راجح
وكما يحتاج الإنسان إلى قلب سليم وروح مطمئنة، كذلك يحتاج إلى فكر سديد وعقل راجح.
كما اعتنى الإسلام عناية كبيرة بجسم الإنسان وصحته، فمن حق الجسم على صاحبه أن ينظفه إذا اتسخ، وأن يقويه إذا ضعف، وأن يطعمه إذا جاع، وأن يسقيه إذا عطش، وأن يريحه إذا تعب، وأن يبحث له عن الدواء إذا مرض وأصابته الأسقام، وأن يقيه ما استطاع من الأمراض ومن كل ما يؤذيه ويضره.
بل جعل الإسلام صحة الجسد ومعافاة البدن من أسباب الراحة والسعادة، فقال صلى الله عليه وسلم: [من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها].
فنهت الشريعة عن إنهاك هذا البدن ولو بالعبادة كما في حديث الثلاثة المشهور، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لهم: [ولكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني].