هل بكيت مرة من خشية الله.. هل غلبتك دموعك يوما بعد ذنب وقعت فيه.. هل نظرت لمخلوقات الله في الكون فسالت دموعك .. لماذا نبكي حينما نفقد عزيزا أو تزول عنا نعمة من نعم الله تعالى علينا ثم تتجمد أعيينا مهابة من الله ونحن المقصرون المذنبون؟!!
إن
البكاء من خشية الله تعالى نعمة من نعم الله تعالى على المسلم الذي يستشعر فضل الله عليه فيكبره في قلبه ويعمل على رضاه في جهره ونجواه.. كان الصحابة والتابعون يبكون من خشية الله مهابة منه وإجلالا .. لاسيما غن غلبت أحدهم معصية فينظر لمعصيته كأنها جبل امامه يريد ان يقع عليه ويظل تكبر امامه ويستعظم ما فعل ويتوب ويجدد التوبة ويبكر ويندم ويعزم على عدم العود صادقين في توبتهم.
إن ما يفعله الصالحون هو السبيل رضا الله فكلنا ذوو خطأ.. والشيطان يتمكن من احدنا فيغريه بالمعصية فلم ننسى أو نتناسى الرجوع والندم و
البكاء من خشية الله تعالى.
لم تتجمد أعيينا ونحن نقرأ آيات القرآن الكريم وكنها نزلت لغيرنا ولسنا مطالبون بها .. لم تتجمد دموعنا ونحن نقرأ آيات اكون الفسيح النجوم والمجرات والسحب ونرى الشمس والقمر وغيرها من آيات الآفاق والأنفس؟!
البكاء يزيل صدأ القلوب:
من يعترف بذنبه لابد له من توبة وعودة وأوبة فيأتي إلى الله خاشعا مستكينا ذليلا يطلب عفوه ورضاه ويسجد له ويترجاه.. يرجو رحمته ويخشى عذابه ولا يرضى إلا برضاه..
كان دأب بعض الصالحين ان يمرغ وجهه على التراب .. ويجأر إلى الله تعالى بالدعاء وعيناه تسيلان حزنًا وحسرة لما فرط في جنب الله تعالى، فالبكاء يجلي القلوب ويعالج صدأها ويلينها فمن كانت دمعت لله قريبة كان رقيقا وهذا منصفات الصالحين غير المتجبرين العتاة الذي لا يشغلهم طاعة و يضرهم معصية لكنهم يسعون في الأرض فسادًا.
ولقد روي من ح أبي بكر الصديق رضي الله عنه انه حين يقرأ القرآن يغلبه البكاء ففي الحديث: لمَّا اشْتَدَّ برَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وجَعُهُ قيلَ له في الصَّلَاةِ، فَقَالَ: مُرُوا أبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بالنَّاسِ قَالَتْ عَائِشَةُ: إنَّ أبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ، إذَا قَرَأَ غَلَبَهُ البُكَاءُ، قَالَ: مُرُوهُ فيُصَلِّي فَعَاوَدَتْهُ، قَالَ: مُرُوهُ فيُصَلِّي، إنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ .
ومما ينسب لأبي الدرداء قوله:
لولا ثلاث ما باليت أن أموت:
-تعفير وجهي في التراب ساجدًا لله رب العالمين.
-وصيام يوم بعيد ما بين طرفيه أتلوى فيه من الجوع والظمأ.
-وجلوس مع قوم يلتقطون أطيب الكلام كما يلتقطون أطيب الثمر.
وللبكاء من خشية الله فضل كبير إضافة لما سبق فمن يفعل يحرم عليه النار ففي الحديث عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله) رواه الترمذي وحسنه، وصححه الألباني، وفي رواية أنس بن مالك رضي الله عنه عند أبي يعلى: (عَيْنَانِ لا تَمَسُّهُمَا النَّارُ أَبَدًا: عَيْنٌ بَاتَتْ تَكْلأُ الْمُسْلِمِينَ فِي سَبِيلِ الله، وَعَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله).
البكاء عند قراءة القرآن أو سماعه:
يروى عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أيها الناس ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، فإن أهل النار يبكون حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول، حتى تنقطع الدموع فتسيل الدماء فتقرح العيون. فلو أن سفنا أزجيت فيها لجرت.
وهذه الحديث وإن كان فيه مقال من جهة الصحة، لكن البكاء عند قراءة القرآن والبكاء من خشية الله تعالى قد وردت بمدحه النصوص الكثيرة، وكان البكاء من خشية الله تعالى عند ذكره شعار العابدين وطريق الخائفين، ومجاهدة النفس بالتباكي لتحصيل رقة القلب، فيكون البكاء بعد ذلك طبعا لا تطبعا أمرا حسنا محمودا، غير أن ذلك ينبغي أن يكون في الخلوة حذرا من الوقوع في الرياء. ولما ورد في مدح الباكين في الخلوات كقوله صلى الله عليه وسلم في السبعة الذين يظلهم الله في ظله: ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عينا