يشكل على بعض الناس شبهة عورة الأمة في الإسلام، ويتساءلون كيف يدعو الإسلام إلى حجاب وعفة المرأة ثم ينص على عورة الأمة أنها ما بين السرة والركبة، وما هو الراجح في حد عورة الأمة؟ وهل عورتها من السرة للركبة لجميع الناس حتى في الشارع مثلا؟ و ما الدليل ؟ وهل ورد عن السلف أن إماءهم كانت تسير كاشفة ؟ أم أنهن كانوا يمشون متسترات كالحرائر؟ وما التوجيه لجواز انكشافها على عكس الحرة مع أن علة التستر موجودة؟ وكلهن في النهاية نساء؟.
ويجيب على هذه الشبهة موقع "إسلام ويب"، بأن الجواب على هذا السؤال المهم ينبني أولاً على تصور طبيعة المجتمع في عصر السلف، وأنه يختلفُ كثيراً عن المجتمع في زماننا وخاصة أن الرق لم يعد موجوداً.
ولما كانت الإماء تكثرُ إليهن الحاجة في الاستخدام وأمورِ المهنة، وكنّ مبتذلاتٍ بكثرة الذهاب والمجيء، وكان فرضُ الحجاب عليهن مما يشقُ مشقةً بالغة، كان من رحمة الله بعباده أنه لم يفرض عليهن الحجاب كما فرضه على الحرائر، ودليلُ ذلك النص واتفاق السلف.
قال شيخ الإسلام بن تيمية في الفتاوى: قوله (قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن) الآية، دليلٌ على أن الحجاب إنما أمر به الحرائر دون الإماء. لأنه خص أزواجه وبناته، ولم يقل وما ملكت يمينك وإمائك وإماء أزواجك وبناتك. ثم قال: {ونساء المؤمنين}. والإماء لم يدخلن في نساء المؤمنين، كما لم يدخلن في قوله {نسائهن ما ملكت أيمانهن} حتى عطف عليه في آيتي النور والأحزاب....إلى أن قال: فهذا مع ما في الصحيح من أنه لما اصطفى صفية بنت حيى، وقالوا: إن حَجّبها فهي من أمهات المؤمنين، وإلا فهي مما ملكت يمينه، دَلّ على أن الحجاب كان مُختصّاً بالحرائر. وفي الحديث دليلٌ على أن أموّة المؤمنين لأزواجه دون سراريه.
وقال كذلك: والحجابُ مختصٌّ بالحرائر دون الإماء، كما كانت سُنّةُ المؤمنين في زمن النبي وخلفائه: أن الحُرَّةَ تحتَجِبُ، والأَمَة تبرُز. وكان عمر إذا رأى أَمَةُ مُختَمِرة، ضرَبها وقال: أتتشبهين بالحرائر؟.
ولكن خالف في هذا أبو محمد بن حزم فذهب إلى أن عورة الأمة كعورة الحرة سواء بسواء ، وانتصر لذلك في المحلى وأطال النفس بما تحسنُ مراجعته منه، وتابعه على قوله بعض المعاصرين كالشيخ الألباني رحمه الله، وقد يبدو لكَ أن هذا القول أحوط ، لكن يرده رداً بينا ما جرت به السنة العملية في عصر السلف .
اقرأ أيضا:
أحب شخصًا في الله لكنه لا يحبني.. فهل ينطبق علينا حديث ورجلين تحابا في الله؟قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: وصلاة الأمة مكشوفة الرأس جائزة هذا قول عامة أهل العلم . لا نعلم أحدا خالف في هذا إلا الحسن , فإنه من بين أهل العلم أوجب عليها الخمار إذا تزوجت, أو اتخذها الرجل لنفسه, واستحب لها عطاء أن تقنع إذا صلت , ولم يوجبه .
ولنا , أن عمر رضي الله عنه ضرب أمة لآل أنس رآها متقنعة , وقال: اكشفي رأسك, ولا تشبهي بالحرائر . وهذا يدل على أن هذا كان مشهورا بين الصحابة لا ينكر , حتى أنكر عمر مخالفته كان ينهى الإماء عن التقنع . قال أبو قلابة : إن عمر بن الخطاب كان لا يدع أمة تقنع في خلافته, وقال : إنما القناع للحرائر .
لكن يجبُ أن يقيد هذا القول بما إذا كانت الفتنة مأمونة، وأما إذا خيفت الفتنة ووجدت ذرائع الشر فيتحتمُ حينئذٍ سدها وأمرُ الإماء للحجاب دفعاً للفتنة وهذا من أعظم مقاصد الشريعة، وهذا كلامٌ جيد للعلامة ابن القيم رحمه الله بيّنَ فيه أن الأمةَ إذا خيفت الفتنة بانكشافها وجب عليها التستر قطعا، وعبارته: وأما تحريم النظر إلى العجوز الحرة الشوهاء القبيحة وإباحته إلى الأمة البارعة الجمال فكذب على الشارع , فأين حرم الله هذا وأباح هذا ؟ والله سبحانه إنما قال : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } لم يطلق الله ورسوله للأعين النظر إلى الإماء البارعات الجمال, وإذا خشي الفتنة بالنظر إلى الأمة حرم عليه بلا ريب, وإنما نشأت الشبهة أن الشارع شرع للحرائر أن يسترن وجوههن عن الأجانب, وأما الإماء فلم يوجب عليهن ذلك , لكن هذا في إماء الاستخدام والابتذال , وأما إماء التسري اللاتي جرت العادة بصونهن وحجبهن فأين أباح الله ورسوله لهن أن يكشفن وجوههن في الأسواق والطرقات ومجامع الناس وأذن للرجال في التمتع بالنظر إليهن؟ فهذا غلط محض على الشريعة , وأكد هذا الغلط أن بعض الفقهاء, سمع قولهم: إن الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها, وعورة الأمة ما لا يظهر غالبا كالبطن والظهر والساق; فظن أن ما يظهر غالبا حكمه حكم وجه الرجل, وهذا إنما هو في الصلاة لا في النظر, فإن العورة عورتان: عورة في النظر وعورة في الصلاة , فالحرة لها أن تصلي مكشوفة الوجه والكفين, وليس لها أن تخرج في الأسواق ومجامع الناس كذلك . انتهى من إعلام الموقعين.
وزاد العلامة العثيمين الأمرَ إيضاحا ونحنُ ننقل كلامه بطوله لنفاسته وسهولة عبارته، قال في شرحه الممتع على زاد المستقنع:الأَمَةُ - ولو بالغة - وهي المملوكة، فعورتها من السُّرَّة إلى الرُّكبة، فلو صلَّت الأَمَةُ مكشوفة البدن ما عدا ما بين السُّرَّة والرُّكبة، فصلاتها صحيحة، لأنَّها سترت ما يجب عليها سَتْرُه في الصَّلاة. وأما في باب النَّظر: فقد ذكر الفقهاءُ رحمهم الله تعالى أن عورة الأَمَة أيضاً ما بين السُّرَّة والرُّكبة، ولكن شيخ الإسلام رحمه الله في باب النَّظر عارض هذه المسألة، كما عارضها ابن حزم في باب النَّظر، وفي باب الصَّلاة، وقال: إن الأمة كالحُرَّة؛ لأن الطَّبيعة واحدة والخِلْقَة واحدة، والرِّقُّ وصف عارض خارج عن حقيقتها وماهيَّتها، ولا دليلَ على التَّفريق بينها وبين الحُرَّة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : إنَّ الإماء في عهد الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام، وإن كُنَّ لا يحتجبن كالحرائر؛ لأن الفتنة بهنَّ أقلُّ، فَهُنَّ يُشبهنَ القواعدَ مـن النِّساء اللاتي لا يرجون نكاحاً، قـال تعالى فيهن:{ فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ } (النور: من الآية60)، يقول: وأما الإماء التركيَّات الحِسَان الوجوه، فهذا لا يمكن أبداً أن يَكُنَّ كالإماء في عهد الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام، ويجب عليها أن تستر كلَّ بدنها عن النَّظر، في باب النَّظر. وعلَّل ذلك بتعليل جيِّدٍ مقبولٍ، فقال: إن المقصود من الحجاب هو ستر ما يُخاف منه الفِتنة بخلاف الصَّلاة، ولهذا يجب على الإنسان أن يستتر في الصَّلاة، ولو كان خالياً في مكان لا يطَّلع عليه إلا الله. لكن في باب النَّظر إنما يجب التَّستر حيث ينظر الناس. قال: فالعِلَّة في هذا غير العِلَّة في ذاك، فالعِلَّة في النَّظر: خوف الفتنة، ولا فرق في هذا بين النِّساء الحرائر والنِّساء الإماء. وقوله صحيح بلا شكٍّ، وهو الذي يجب المصير إليه.
اقرأ أيضا:
حكم الرطوبة والبلل الخارج من الفرج والطهارة منها؟