"وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ* وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِير"ٌ)الشورى: 28 و29)
يقول العلامة الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي:
{ ٱلْغَيْثَ.. } [الشورى: 28] المطر ينزل بعد انقطاع وجفاف، فيغيث الناس وينقذهم من الجفاف والجوع والقحط الذي هم فيه { مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ.. } [الشورى: 28] يئسوا من نزوله.
{ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ } [الشورى: 28] يبسطها لعباده جميعاً { وَهُوَ ٱلْوَلِيُّ.. } [الشورى: 28] المتولي أمور عباده المحسن إليهم { ٱلْحَمِيدُ } [الشورى: 28] أي: المحمود على نعمه أسداها إلى الناس وتفضَّل بها عليهم، لأنه أنعم عليك قبل أن يوجدك فخلق لك السماء والأرض والكون كله سخَّره في خدمتك، فطرأتَ على كَوْنٍ مُعَدٍّ وجاهز لاستقبالك، فيه كُلُّ مقومات حياتك.
آيات الله
{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} [الشورى: 29]كلمة { آيَاتِهِ.. } [الشورى: 29] مفردها آية، وهي الشيء العجيب الذي يدعوك إلى التأمل، كما نقول: فلان آية في الأدب أو في العلم. وقلنا: إن الآيات في القرآن الكريم وردتْ بمعانٍ ثلاثة: آيات كونية تدل على قدرته تعالى وبديع صُنْعه كالشمس والقمر والليل والنهار، وآيات معجزات تدل على صدق الرسل في البلاغ عن الله، ثم الآيات الحاملة للأحكام وهي آيات القرآن الكريم.
الحق سبحانه وتعالى هنا يُحدِّثنا عن بعض آياته الكونية { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ.. } [الشورى: 29] فهما شيء عجيب في الخَلْق دلَّ على قدرة الله وحكمته وطلاقة قدرته، وفي موضع آخر قال:{ لَخَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }[غافر: 57].
نعم أكبر، لأن الإنسان يُولد ويموت، يموت طفلاً ويموت شاباً، بل ويموت في بطن أمه، وحتى لو عاش مائة عام سيموت، فأين هو إذن مَنْ خلق السماوات والأرض وما فيهما من آيات كونية تعمر ما يشاء الله؟
إذن: على الإنسان أنْ يتذكر هذه الحقائق ويقول لنفسه: هل يُعقل أن تكون هذه الآيات أطول عمراً مني وهي مُسخَّرة في خدمتي؟ إذن: لا بدَّ أن لي عمراً آخر يناسب منزلتي، وما فضَّلني الله به على هذه المخلوقات، إذن: لي حياة أخرى أبقى فيها وأخلد حين تفنى كل هذه المخلوقات.
اقرأ أيضا:
"وهموا بما لم ينالوا".. منافقون دبروا مكيدة للنبي ففضحهم القرآنمخلوقات كثيرة
وقوله: { ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [الشورى: 29] يعني: وما فيهما لأنهما ظرف مظروف فيه مخلوقات كثيرة، لذلك قال في موضع آخر: { للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ.. }[البقرة: 284].
ومعنى { وَمَا بَثَّ.. } [الشورى: 29] أي نشر: { فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ.. } [الشورى: 29] أي: في السماوات وفي الأرض، فما يدب في الأرض أي: ما يمشي عليها من إنسان وحيوان طير، وما يدبّ في السماء يقصد به الملائكة.
{ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ.. } [الشورى: 29] يعني: يوم القيامة { قَدِيرٌ } [الشورى: 29] أي: قادر، كما قال:{ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ }[الشورى: 7].
بعض العلماء ذهب إلى وجود مخلوقات أخرى في العلو، وهم أمثالنا مكلَّفون، ففي المجموعة الشمسية عوالم أخرى غير الأرض مثل عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وغيرها. والعظمة في جمع كل هؤلاء.