بين الحين والآخر تثار بعض الشبهات عن الإسلام تشريعاته وآدابه ومن الشبهات التي تكاد ثابتة واتي لا يمل المغرضون من بثها كل فترة بغرض الطعن في الدين ما يروجون له من إهانة الإسلام للمرأة وتحقيرها وان هناك نصوصا في الإسلام تثبت أنهن ناقصات عقل ودين وغير ذلك مما يساء فهمه ويكثر ترداده دون وعي.. وفي هذه السطور نبين نظرة الإسلام للمرأة على وجه العموم وكيف اعتنى بها أمًّا وزوجة وبنتا ورغب في إكرامها وحث على معاونتها.. الإسلام أكرم المرأة:
إن من يتأمل نصوص الإسلام لا يجتزئ منها نصا يرى ما روته عَائِشَةَ، زَوْج النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: (جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلُنِي، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ شَيْئًا، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ) رواه البخاري وما رواه أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ. - وَضَمَّ أَصَابِعَهُ -) رواه مسلم.
وما رواه جَابِر ابْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كُنَّ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ يُؤْوِيهِنَّ، وَيَرْحَمُهُنَّ، وَيَكْفُلُهُنَّ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ).قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَإِنْ كَانَتْ اثْنَتَيْنِ؟ قَالَ: (وَإِنْ كَانَتْ اثْنَتَيْنِ). قَالَ: فَرَأَى بَعْضُ الْقَوْمِ، أَنْ لَوْ قَالُوا لَهُ وَاحِدَةً، لَقَالَ: (وَاحِدَةً) والله تعالى قد أمرنا بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم.
إن هذه النصوص وغيرها تثبت للبنت حقها فما بالكم بها زوجة أو أمًّا، فقد أمر ببر الوالدين وخص الملم بمزيد الفضل والبر حي قال امك ثم أمك ثم امك ثم أبوك.. وجعل للزوجة إكراما خاص وأمرنا بحسن معاشرتهن وأوصانا بان نتقي الله فيهن في آخر كلماته عليه الصلاة والسلام، ثم انظر إليه صلى الله عليه وسلم فيما روته إحدى زوجاته وهي عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: "إِنَّا كُنَّا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ جَمِيعًا، لَمْ تُغَادَرْ مِنَّا وَاحِدَةٌ، فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ تَمْشِي، لاَ وَاللَّهِ مَا تَخْفَى مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ قَالَ: (مَرْحَبًا بِابْنَتِي(، ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ..." رواه البخاري .
إهانة المرأة من أخلاق الجاهلية:
هذا وتتضح أن إهانة البنات خلق أهل الجاهلية ولا علاقة له بالإسلام بل جاء
الإسلام مناقضا له داعيا لخلافه ؛ فمن أخلاق الجاهلية الذين ذمهم الله تعالى في قوله: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)، لكن الإسلام يقول في حق النساء: "فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا.
وعن معنى حديث أن النساء أكثر أهل النار وهو قوله صلى الله عليه وسلم "فإني رأيتكن أكثر أهل النار" فإنه إما إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن النساء أكثر أهل النار، فلا علاقة لذلك بعدم محبتهن، أو كراهة إنجابهن. فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحديث للصحابيات لحثهن على فعل الخير، وليس لذمّهن، كما في حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ).فَقُلْنَ: وَبِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟قَالَ: (تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ، أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ، مِنْ إِحْدَاكُنَّ، يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ) رواه البخاري. فالأنثى إذا عملت صالحا فهي مبشرة بالجنة كالرجل. قال الله تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا" وقال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.
كما إن تكريم الله لبني آدم يشمل النساء، وأما قول الله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا" فهذا التكريم شامل للنساء، فإن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول: (إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ)، قال الخطابي رحمه الله تعالى: " وقوله: (إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ)، أي نظائرهم وأمثالهم في الخلق والطباع، فكأنهن شُقِقْن من الرجال، وفيه من الفقه: إثبات القياس، وإلحاق حكم النظير بالنظير، وأن الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور، كان خطابا للنساء، إلا مواضع الخصوص التي قامت أدلة التخصيص فيها" ومدار الكرامة في الإسلام على التقوى وليس على الذكورة، فمن كان أتقى فهو أكرم عند الله تعالى.
التفاضل عند الله بالتقوى لا بالنوع:
ونختم بقوله تعالى : {أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: (أَتْقَاهُمْ) رواه البخاري وعلى هذا فمدار التفاضل في الإسلام ليس على نوع الإنسان ذكرا كان أم أنثى لكن بما يحصله من تقوى.
وبد فإنه بهذا العرض الإجمال نقف على حقيقة تكريم
الإسلام للمرأة ومزيد عنايته بها على عكس ما يتوهم المغرضون.