الدنيا دار ابتلاء وهموم ، وهي محطة للآخرة، ولذك السعيد من جعلها كذلك، ولم يخلد إلى زخارفها أو يذوب في مصائبها.
وجاءت الكثير من العظات والحكم في الحذر من الدنيا والتعامل مع نوائب الدهر فيها ومن ذلك ما قاله:
1-الإمام سفيان بن عيينة: الدنيا كلها غموم، فما كان فيها من سرور فهو ربح.
2- وقال العتبي: إذا تناهى الغم انقطع الدمع بدليل أنك لا ترى مضروبا بالسياط ولا مقدما لضرب العنق يبكي.
3- وقيل: تزوج مغن بنائحة فسمعها تقول: اللهم أوسع لنا في الرزق، فقال لها: يا هذه إنما الدنيا فرح وحزن وقد أخذنا بطرفي ذلك، فإن كان فرح دعوني، وإن كان حزن دعوك.
4- قال وهب بن منبه: إذا سلك بك طريق البلاء سلك بك طريق الأنبياء.
5- وقال مطرف: ما نزل بي مكروه قط فاستعظمته إلا ذكرت ذنوبي فاستصغرته.
6- وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه: «يود أهل العافية يوم القيامة أن لحومهم كانت تقرض بالمقاريض لما يرون من ثواب الله تعالى لأهل البلاء».
7- ومرّ موسى عليه الصلاة والسلام برجل كان يعرفه مطيعا لله عز وجل قد مزّقت السباع لحمه وأضلاعه وكبده ملقاة على الأرض، فوقف متعجبا، فقال: أي رب عبدك ابتليته بما أرى، فأوحى الله تعالى إليه أنه سألني درجة لم يبلغها بعمله، فأحببت أن أبتليه لأبلغه تلك الدرجة.
اقرأ أيضا:
مواعظ مبكية بين عمر بن عبد العزيز والخليفة سليمانقطعوا رجله.. لن تتخيل صبره:
وكان عروة بن الزبير صبورا حين ابتلي، فقد حكي أنه خرج إلى الوليد بن يزيد فوطىء عظما، فما بلغ إلى دمشق حتى بلغ به كل مذهب، فجمع له الوليد الأطباء، فأجمع رأيهم على قطع رجله، فقالوا له: اشرب منوما.
فقال: ما أحب أن أغفل عن ذكر الله تعالى، فأحمى له المنشار، وقطعت رجله، فقال ضعوها بين يدي ولم يتوجع، ثم قال: لئن كنت ابتليت في عضو فقد عوفيت في أعضاء.
فبينما هو كذلك إذ أتاه خبر ولده أنه أطلع من سطح على دواب الوليد، فسقط بينها فمات.
فقال: الحمد لله على كل حال لئن أخذت واحدا لقد أبقيت جماعة.
وفي هذه الأثناء قدم على الوليد وفد من عبس فيهم شيخ ضرير، فسأله عن حاله وسبب ذهاب بصره.
فقال الضرير: خرجت مع رفقة مسافرين ومعي مالي وعيالي، ولا أعلم عبسيا يزيد ماله على مالي، فبتنا في بطن واد، فطرقنا سيل، فذهب ما كان لي من أهل ومال وولد غير صبي صغير وبعير، فشرد البعير، فوضعت الصغير على الأرض ومضيت لآخذ البعير.
يقول الضرير أيضا: فسمعت صيحة الصغير، فرجعت إليه فإذا رأس الذئب في بطنه وهو يأكل فيه، فرجعت إلى البعير، فحطم وجهي برجليه، فذهبت عيناي فأصبحت بلا عينين ولا ولد ولا مال ولا أهل.
فقال الوليد: اذهبوا إلى عروة ليعلم أن في الدنيا من هو أعظم مصيبة منه.