شتان بين كلمتين ربما يكن لأحدهما تأثيرا مختلفا عن الأخرى بالكلية، لدرجة قد تعين هذا على الجنة، وقد تدخل هذا النار، فقد نصادف شخصا عاصيا لله، فبدلا من أن ندعو له بالهداية ندعو عليه ونلعنه ونسبه، فتكون النتيجة عناد هذاالشخص أكثر، وإعانة الشيطان عليه.
وقد ورد عن أبي هريرة قال: أُتِي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب خمرًا قال: ((اضربوه))، قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله! قال: ((لا تقولوا هكذا؛ لا تُعِينوا عليه الشيطانَ))؛ رواه البخاري.
فالخزي معناه العار والذُّلُّ، فأنت إذا قلت لرجل: أخزاك الله، فإنك قد دعوتَ الله عليه بما يذله ويفضحه، فتُعِينُ عليه الشيطان.
العقوبة على الذنب
وفي عهد عمر كثُر الناس الذين دخلوا في الإسلام، ومنهم من دخل عن غير رغبة، فكثُر شرب الخمر في عهد عمر رضي الله عنه، فلما رأى الناسَ قد أكثَروا منها استشار الصحابة، فقال عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه: أخَفُّ الحدود ثمانون، وهو حدُّ القذف، فرفع عمر رضي الله عنه عقوبة شارب الخمر إلى ثمانين جَلْدةً.
ففي هذا دليل على أن الإنسان إذا فعل ذنبًا وعوقب عليه في الدنيا، فإنه لا ينبغي لنا أن ندعوَ عليه بالخزي والعار؛ بل نسأل الله له الهداية، ونسأل الله له المغفرة.
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: أنَّ رجلاً كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان اسمه عبدالله، وكان يُلَقَّب حمارًا، وكان يُضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جلده في الشراب، فأُتِي به يومًا، فأمر به فجُلد، فقال رجل منَ القوم: اللهم الْعَنْه، ما أكثر ما يؤتَى به! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تلعنوه، فواللهِ ما علمتُ أنه يحب الله ورسوله)).
وقد حدَّث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله - تعالى - قال: مَن ذا الذي يتألَّى عليَّ ألاَّ أغفر لفلان، فإنِّي قد غفرتُ لفلان، وأحبطتُ عملك)).
ومن يدري حال ذلك العاصي غير الله؟! فقد يختم له بخير، ويختم لغيره بشرٍّ؛ كما في الحديث المتفق عليه: ((فوالذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)).
اظهار أخبار متعلقة
كيف نتعامل مع العاصي؟
فطريقة التعامُل مع العاصي ينبغي ألاَّ تخضعَ للعواطف أو الاجتهادات الفرديَّة الخاصَّة؛ بل تحكمها النُّصوص الشرعية منَ الكتاب والسنة النبويَّة الشريفة، وما أجملَ أن يستشعرَ الإنسان حال توجيه اللَّوم لأخيه العاصي أنه مكانه، لو كان الناصح هو الشخص المبتَلَى، فماذا يحب أن يسمعَ؟ وكيف يريد مَن حوله أن يتعامَلُوا معه؟.
يقول ابن القيم : "الناس في البَلْوى التي تجري عليهم أحكامها بإرادتهم وشهواتهم متفاوِتون - بحسب شُهُودهم لأسبابها وغاياتها - أعظم تفاوُت، وجماع ذلك ثمانية مشاهد"، ثم ذَكَر في المشهد السابع مشهد الحكمة، وهو "أن يشهد – أي: العبد العاصي - حكمة الله في تخليته بينه وبين الذنب، وإقداره عليه، وتهيئة أسبابه له، وأنه لو شاء لَعَصَمَه وحال بينه وبينه؛ ولكن خلَّى بينه وبينه لحكمٍ عظيمة، لا يعلم مجموعها إلا الله"، ثم ساق ابن القَيِّم تلك الحِكَم العظيمة، ومنها:
أن يعاملَ عبادَه في إساءتهم إليه وزلاَّتهم معه بما يُحِبُّ أن يعامله الله به؛ فإنَّ الجزاء مِن جنس العمل، فيعمل في ذنوب الخلق معه ما يحب أن يصنعه الله بذنوبه.
أن يقيمَ معاذير الخلائق، وتَتَّسع رحمته لهم، مع إقامة أمْر الله فيهم، فيقيم أمره فيهم؛ رحمة لهم، لا قسوة وفظاظة عليهم.
أن يخلعَ صولة الطاعة والإحسان من قلبه، فتتبَدَّل برقّة ورأفة ورحمة.
أن يعرِّيه من رِداء العجب بعمله.
أن يعرفَ مقداره مع معافاته وفضله في توفيقه وعصمته، فإن مَن تربَّى في العافية لا يعرف ما يقاسيه المبتلَى، ولا يعرف مقدار العافية.
أنه يوجب له الإحسان إلى الناس والاستغفار لإخوانه الخاطئين منَ المؤمنين، فيصير هِجِّيرَاه: ربِّ اغفر لي ولوالدي، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، فإنه يشهد أن إخوانه الخاطئين يصابون بمثْل ما أصيب به، ويحتاجون إلى مثْل ما هو محتاج إليه، فكما يحبُّ أن يستغفرَ له أخوه المسلم، يحبّ أن يستغفر هو لأخيه المسلم".