إذا كانت المرأة مستحاضة، وأرادت الاغتسال من الاستحاضة. فهل غسل الاستحاضة يجزئ عن الوضوء؟ وكيف يمكن لها أن تتوضأ قبل الغسل، والدم ينزف منها؟
هل الاحتشاء والالتجام يكون قبل تعميم البدن أم بعده؟ لأن المستحاضة يجب عليها أن تحتشي القطن، وتلتجم قبل الوضوء، ولا يمكن هذا إن أرادت الاغتسال بالطريقة المسنونة.
وهل الاحتشاء يكون في باطن الفرج؟ أم يكفي في ظاهر الفرج؟
قال مركز الفتوى بإسلام ويب: إن المستحاضة إذا أرادت الطهارة من وضوء، أو غسل، فيلزمها أن تقوم بغسل المحل لإزالة ما عليه من الدم، ثم تقوم بحشوه لمنع خروج الدم، فإن لم يتوقف الدم، فعليها أن تتعصب بخرقة.
جاء في حاشية ابن قاسم على الروض: ويكون ما تعصبه به شيئا طاهرا، كأن تجعل خرقة كالتُّبان تتلجم بها، وتوثق طرفيها في شيء آخر شدتها على وسطها، لقوله -عليه الصلاة والسلام- أنعت لك الكرسُف (القطن) تحشين به المكان، قالت: إنه أكثر من ذلك، قال تلجّمي. اهـ
والغسل لا يجب على المستحاضة أثناء استحاضتها، بل يستحب، وإنما يجب عند انقطاع الحيض؛ وبناء على ذلك، فإن غسل المستحاضة لا يجزئ عن الوضوء الواجب للصلاة، لأنه غسل مستحب، فلا يغني عن واجب؛
قال أبو بكر بن العربي: لم يختلف العلماء أن الوضوء داخل تحت الغسل، وأن نية طهارة الجنابة تأتي على طهارة الحدث وتقضي عليها، لأن موانع الجنابة أكثر من موانع الحدث، فدخل الأقل في نية الاكثر، وأجزأت نية الأكبر عنه.
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله: الاستحمام - إن كان عن جنابة - فإنه يكفي عن الوضوء؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}.[المَائدة: 6]. فإذا كان على الإِنسان جنابة وانغمس في بركة أو في نهر أو ما أشبه ذلك، ونوى بذلك رفع الجنابة وتمضمض واستنشق، فإنه يرتفع الحدَث عنه الأصغر والأكبر؛ لأن الله تعالى لم يُوجب عند الجنابة سوى أنْ نَطهَّر، أي: أن نَعُمَّ جميع البدن بالماء غسلاً، وإن كان الأفضل أنَّ المُغتسِلَ من الجنابة يتوضأ أولاً؛ حيثُ كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل فَرْجَه بعد أن يغسل كفَّيه ثم يتوضأ وضوءَه للصلاةِ، ثم يُفيض الماء على رأسه، فإذا ظنَّ أنه أَرْوَى بشرتَه أفاض عليه ثلاث مرات، ثم يغسل باقي جسده.
وأما غسل التنظف والتبرد وكذا الغسل المسنون كغسل الجمعة فإنه لا يكفي عن الوضوء، لأنه ليس في معنى الغسل من الجنابة، فمن اغتسل غسلا مسنونا أو غسل تنظف وتبرد فإن لم ينو رفع الحدث الأصغر ويغسل أعضاء الوضوء مرتبا في أثناء الغسل فإنه لا بد له من إعادة الوضوء بعد الغسل.
قال الخرشي في شرح مختصر خليل: فإن اقتصر المتطهر على الغسل دون الوضوء أجزأه ، وهذا في الغسل الواجب، أما غيره فلا يجزئ عن الوضوء، ولا بد من الوضوء إذا أراد الصلاة.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: أما إن كان الغسل لغير ذلك ; كغسل الجمعة , وغسل التبرد والنظافة ، فلا يجزئ عن الوضوء ولو نوى ذلك ; لعدم الترتيب , وهو فرض من فروض الوضوء, ولعدم وجود طهارة كبرى تندرج فيها الطهارة الصغرى بالنية, كما في غسل الجنابة. انتهى.
وإذا أحدث المغتسل في أثناء الغسل بمس الذكر أو غيره من نواقض الوضوء، فإن عليه إعادة الوضوء بعد الغسل، لأنه لم يأت بعد الحدث بوضوء مستقل ولا بغسل يدخل الوضوء فيه تبعا.
قال ابن قاسم رحمه الله في حاشية الروض: فإذا لم يتوضأ وعم جميع بدنه فقال ابن عبد البر وغيره: قد أدى ما عليه لقوله: { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا }. وهو إجماع لا خلاف فيه. اهـ. فإن نواهما ثم أحدث أتم غسله ثم توضأ. انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ولا يجب عليه أن يتوضأ بعد الغسل ، إلا إذا حصل ناقض من نواقض الوضوء أثناء الغسل أو بعده، فيجب عليه أن يتوضأ للصلاة، وأما إذا لم يحدث فإن غسله من الجنابة يجزئ عن الوضوء سواء توضأ قبل الغسل أم لم يتوضأ.
لكن لا مانع في حق المستحاضة من الإتيان بالغسل المسنون على صفته، فتتوضأ أولا، ولا يبطل وضوؤها ولا غسلها بنزول الدم غلبة، لعدم إمكان التحرز منه.
قال البهوتي في كشاف القناع أثناء الحديث عن الاستحاضة: (فإن غلب) الدم (وقطر بعد ذلك لم تبطل طهارتها) لعدم إمكان التحرز.
اقرأ أيضا:
بناء مسجد أولى أم بناء بيت للأولاد؟وحول طريقة احتشاء المستحاضة لإيقاف الدم قال مركز الفتوى: الواجب على المستحاضة أن تحتشي بقطنة أو نحوها تمنع خروج الدم، فإن لم يكف ذلك في دفع الدم فعليها أن تتعصب بشد خرقة على الموضع، ومن العلماء من رأى إجزاء أحد الأمرين الحشو أو التعصيب، والأول وهو وجوب الحشو أصح لأنه أبلغ في منع الخارج.
جاء في حواشي التحفة: (قوله تحشوه وجوباً إلخ)، قد يقتضي كلامه هذا أنه لا يكفي الاقتصار على العصب وإن منع الدم، والظاهر أنه غير مراد ثم رأيت ما يأتي عن شرح العباب. (قوله: ثم إن انقطع به لم يلزمها عصبة إلخ) قال في شرح العباب: وما في الكفاية من وجوب العصب مطلقاً فإن احتاجت للحشو حشت. ضعيف لمخالفته لكلام الشيخين الذي تقرر. ووجهه أن الحشو يمنع بروزه لظاهر الفرج بخلاف العصب فقدم الحشو عليه. انتهى.
وفي المغني للموفق ابن قدامة: فالمستحاضة تغسل المحل ثم تحشوه بقطن أو ما أشبهه ليرد الدم؛ لـقول النبي صلى الله عليه وسلم لحمنة حين شكت إليه كثرة الدم: أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم. فإن لم يرتد الدم بالقطن استثفرت بخرقة مشقوقة الطرفين تشدها على جنبيها ووسطها على الفرج. وهو المذكور في حديث أم سلمة: لتستثفر بثوب. وقال لحمنة: تلجمي. لما قالت: إنه أكثر من ذلك.
وقال الزركشي في شرح الخرقي: ويلزمها قبل الوضوء أن تغسل فرجها وتعصبه، وتسد محل الدم ما أمكن. انتهى.
واستثنى العلماء من وجوب الاحتشاء بقطنة أو نحوها ما إذا كانت صائمة لئلا يؤدي إلى فساد صومها على القول بأن ذلك يؤثر على صحة الصوم، وكذا إذا تأذت باجتماع الدم فإنه لا يلزمها ذلك دفعاً للضرر.
ولم يفرق العلماء فيما مر من الأحكام بين البكر والثيب، وبه تعلمين أن الواجب على المستحاضة أن تحتشي بقطنة، فإن كانت بكراً فإنها تحاول دفع خروج الدم بما لا يزيل بكارتها، فإن كان الدم قليلاً فاندفع بذلك فإنها تكتفي به وإلا تلجمت على ما مر إيضاحه.
اقرأ أيضا:
فرض غرامة على المشتري الذي يتأخر فى السداد.. هل يجوز؟اقرأ أيضا:
هل الزواج بأحد قدر مكتوب أم قرار واختيار من الإنسان؟