يجمع أهل العلم والفقهاء والمتخصصون في علوم القرآن الكريم علي أن تعريف الإسراء بأنّه انتقال النبي صلي الله عليه وسلم مع أمين الوحي جبريل -عليه السلام- ليلاً من البيت الحرام في مكّة المُكرمة إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس بالشام على دابّةِ البُراق،
أما المعراج فيعرف بأنه صعودهما أي رسولنا الكريم من بيت المقدس إلى السماوات العُلى، وقد ثبت وقوع هذه الحادثة في القُرآن، والسُنّة، وشهادة الصحابة الكرام بذلك، وهي حادث جاءت في شكل تكريم من الله لحبيبه ومصطفاه بعد موجة من المتاعب.
ومن الثابت أن ليلة الإسراء والمعراج تعد من أعظم الليالي بالنسبة للنبي محمد صلي الله عليه وسلم ولأمة المسلمين جميعًا، لاسيما أنها شهدت أحداثا مهمة في تاريخ الإسلام حيث فرضت فيها الصلوات الخمس فضلا عن كون أحداثها يصعب علي العقل البشري تصديقها، وإذا لم يكن الإنسان على إيمان عميق بالدين الإسلامي فإنه لن يستوعب هذا الخبر عن فضل ليلة الإسراء والمعراج العظيم، فالعديد من الصحابة فتنوا في هذه الواقعة.
ويعد حادث الإسراء معجزة أيّد الله بها رسوله الكريم وأكد علو مقام نبينا بين جميع الأنبياء حيث ، صلّى بالأنبياء، ورأى من آياتِ ربّه الكبرى، وشاهد جبريل على صورته التي خلقه الله عليها، وصعد حتى وصل إلى سدرة المنتهى، قال -تعالى-: "أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى* وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى* عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى*عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى* إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى* مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى* لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى".
أما أهم الأحداث التي شهدتها هذه الليلة المباركة فتتمثل في الأمر بالصلاة وفرضها: فقد امتازت الصلاة بأنّ الله فرضها من فوق سبع سماوات، في حين أنّ غيرها من الفروض والعبادات كان الوحي يتنزّل بها إلى رسول الله، وفي ذلك دليل على أهميّة الصلاة وعظم مكانتها، ومن فضلها أيضاً أنّ الله فرضها خمسون صلاة في اليوم والليلة بدايةً، ثمّ خفّفها لخمس صلواتٍ بأجر خمسين
وكان البُراق: وهو من أعظم ما كرّم الله به رسوله في ليلة الإسراء والمعراج، حيث أرسل له جبريل يحمله على البراق، فأعزّه الله وكرّمه كما يكرِم أهل الجنّة بدخولها راكبين، وقد أخذ رسول الله بالأسباب فلمّا نزل عنها ربطها كي لا تفلت، وهو أمرٌ لا يتنافى مع التوكُّل وهو الأمر عينه الذي تكرر مع البُراق هو دابّةٌ تُشبه سائر الدّواب، وحجمه متوسطٌ بين الحمار والبغل.
هذه الليلة المباركة قدمت دليلا لا يقبل الشك علي أهمية المسجد الأقصي في حياة المسلمين وعلي عالمية الرسالة المحمدية وعموميتها حيث ، صلّى الرسول إماماً بالأنبياء فيه، وفيه دلالة على أنّ رسالة سيّدنا محمد ناسخة لجميع الرسالات السماوية قبله،
بل أن الإمامة بحدّ ذاتها تدلّ على الاقتداء، فقد اقتدى به الأنبياء حينما صلّوا خلفه، فضلا عن ما عكسته هذه الليلة من ارتباط بين المسجدين الحرام والاقصي كما ربطت هذه الرحلة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، ودعت إلى شدّ الرحال إليهما، والعمل على تطهير مثل هذه الأماكن المقدسة من كل شرك.
ولا يغيب عنا ونحن نؤكد فضل ليلة الإسراء والمعراج التأكيد علي هوية القدس الإسلاميةوإنها كانت معراج الرسول الله عليه الصلاة والسلام وفي ذلك تأكيد علي ضرورة تكاتف المسلمين من أجل تحرير هذه المدينة والمسجد الأقصي الشريف ذات المقام العالي
، كان من أهم أهداف هذه الرحلة المباركة التخفيف عن رسول الله ومواساته وتثبيته: فقد لاقى النبي من قومه الأذى والإعراض حيث وقعت الحادثة بعد واقعة الطائف التي رفض فيها أهل الطائف دعوة رسول الله وآذوه فضلا عن فقد زوجته خديجة وعمّه أبو طالب، اللّذَيْن كانا لهما دوراً كبيراً في مناصرته، فحزن رسول الله عليهما حزناً شديداً، فكانت رحلة الإسراء والمعراج تخفيفاً من الله -تعالى- لقلب نبيّه.
دار الإفتاء المصرية خصت ليلة الإسراء والمعراج بفضل كبير حيث أوضحت في منشور لها إنه لا مانع شرعًا من التطوع بصوم ليلة الإسراء والمعراج، لما ورد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ الله بَعَّدَ الله وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا».
الدار أشارت كذلك إلي عدد من العبادات والطاعات التي يستحب إحياء هذه الليلة بها في مقدمتها الصيام، إطعام الطعام وإخراج الصدقات والسعي على حوائج الناس، والإكثار من الذكر والإستغفار.
ودللت الدار علي أهمية هذه الليلة المباركة بما حرص النبي صلي الله عليه وسلم من الإكثار من الصيام في رجب لما له من مكانة عظيمة عند الله، ولم يرد عن صوم الإسراء والمعراج أنه سنة.
أوضحت الدار أن ليلة السابع والعشرين من رجب مباركة، ناصحًا المسلمين بكثرة الذكر وقراءة القرآن الكريم وسنة الرسول صلي الله عليه وسلم والاطلاع على سيرته العطرة، وصلاة ركعتين قيام ليل، منبهة على أن الصلاة معراج القلب إلى الله تعالى، مشيرًا إلى أنها رحلة روحية يطوي الإنسان فيها فواصل البعد بينه وبين الله، ويدنو من خالقه ورازقه -سبحانه وتعالى-.
اقرأ أيضا:
الذكر يريح القلب ويبعث الطمأنينة .. تعالوا نذكر الله بهذه الطريقةدار الإفتاء لفتت كذلك إلي أن كل إنسان يستطيع أن يعرج يوميًا إلى الله تعالى عن طريقة أداء الصلوات، خصوصا ليلا فهذا إسراء وأداء الصلوات في أكثر من مكان يعد معراجًا لأن الانتقال من طاعة إلى طاعة فهو معراج يقرب العبد من ربه -عز وجل-، منوها بأن المعنى الحقيقي للمعراج هو القرب من الخالق جل شأنه.