مرحبًا بك يا عزيزي..
قلبي معك.
أقدر مشاعرك، وأتفهم أسباب غضبك، وحزنك، وما تشعر به من جحيم مقيم، فالعنف والقسوة يؤثران بلا شك على التحصيل الدراسي، وعدم وجود محضن آمن، وحنون، متفهم، ومستقر، هو الجحيم بعينه.
أشعر بالأسى أن تكون أولى خبرتك بالحياة هي هذه بسبب والدك، وقسوته، وما تسبب لك فيه من إساءات جسدية ونفسية.
أتفهم ألم الإهانة يا عزيزي، وما ينجم عنه من اهتزاز نفسي، وفقدان للثقة بالنفس.
وتفكيك المشكلة مهم لتتفهم الأمر ونستطيع معًا الوصول لحل أو حلول تختار أنت من بينها ما يناسبك.
فلا أحد يختار أسرته، هذه بديهية تقصّر عليك مسافات، وتقطع مساحات لا داعي لها من التفكير والتمني، هذا أمر لا يد لنا فيه ولا حيلة، ولكنا قادرون على حماية أنفسنا من الأذى أيًا كان مصدره.
أنت محتاج أيضًا لتفهم ما لم يتفهمه والدك، فمن الواضح أنه قليل الوعي بكيفية التواصل الجيد مع أبنائه، ربما يكرر معك ما تربى به من وسائل خاطئة ظنًا منه أنها صحيحة، فهو لا يعرف سواها، ولا يعرف أنها خاطئة، ولا يعرف أن معاملته معك هكذا وعلاقاته السيئة هذه، واساءاته النفسية والجسدية، وعدم تفهمه لمشاعرك، وعدم احتواءك، واشباع احتياجاتك النفسية، هذا كله يشوه شخصيتك، وقد يؤدي بك –لاقدر الله- إلى انحرافات أخلاقية وقيمية، مستقبلًا، هو لا يعرف أي شيء من هذا، وربما يكون من الصعب جدًا بل من المستحيل أن يعرف، لذا، فواجبك أنت أن تعرف!
أما وقد عرفت، فواجبك الآن هو "نفسك"، مسئوليتك هي "نفسك"، والتدرب على الموازنة بين حماية نفسك من الأذى ورفضه وقول "لا"، وعدم الاستسلام لتلقي الضرب بذلة ومسكنة، فالتجنب أقل واجباتك للدفاع عن نفسك، ومزانة هذا كله مع البر بوالدك واحسان القول له والفعل معه، والفصل بين هذا وذاك.
أعرف تمامًا وأتفهم صعوبة الأمر، لكنه واجب، ومهم، وممكن، وليس مستحيلًا.
ما حدث في طفولتك لست مسئولًا عنه، لكنه سيبقى أثره السيء على شخصيتك إن لم تتعافى وتتحرر منه، لذا فالتعافي الآن هو مسئوليتك.
من التعافي أن تتفهم ما سبق، وتضع حاجزًا يبعدك نفسيًا عن تصرفات والدك معك وأثرها السيء.
من التعافي أن تتعلم عن نفسك، وتكتشف مثلًا الجزء الخاص بدراستك، فتتعرف على حقيقة الصعوبات الخاصة بالاستذكار التي تواجهك، هل هي تتعلق بمادة ما، أم بطريقة المذاكرة بشكل عام، أم بكونك متوترًا وقلقًا بسبب علاقتك بوالدك، أم ماذا، وتبدأ في طلب المساعدة من متخصص، فلا يوجد شخص فاشل بطبيعته أو معوق دراسيًا بفطرته، كل هذا يا عزيزي له أسباب، وله علاج، وحلول، ومعها ستجد نتائج مختلفة، فقط تحرك من أجل نفسك، وستجد شخصًا آخر، ونتائج دراسية مختلفة، لأنك تستحق، ولأنك محتاج لخوض رحلة التغيير هذه، ومن أجلك.
وأخيرًا، فإن الله خلق هذه الدنيا يا عزيزي ولم يجعلها كالجنة، حتى تبقى الجنة، جنة!
عليك أن تتفهم خلقتها، وأنها جبلت على الكدر، والاختبارات، والابتلاءات، وأن أمر المؤمن كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا.
الألم من موجبات الوجود في الدنيا، فمنه نتعلم، ولهذا خلقه الله، فانتبه، وتعلم!
لمَ لم يخلق الله لك أبًا حنونًا؟!
ولمَ لم يخلقك الله في ماليزيا مثلًا أو أمريكا؟!
ولمَ لم يخلقك ثريًا ووسيمًا للغاية؟!
بل، لم لم يبقي الله للنبي صلى الله عليه وسلم والده، ووالدته، لم توفيا وهو صغير هكذا، ولم أصبح يتيمًا، ولم، ولم، وهو النبي المصطفى؟!
" لا يسأل عما يفعل وهم يسألون"، لا توجد لدي إجابة عن سؤالك سوى هذا يا عزيزي، فقط، ثق أن هناك حكمة، وأنه خير لك، لن تتعرف عليه الآن، لكنه ستعرف هذه الحكمة مع النضج والنمو والوعي النفسي لدى خوضك رحلتك للتغيير، وعندها ربما بل من المؤكد أنك ستحمد الله كثيرًا.
القبول إكسير النجاح والتصالح مع الذات يا عزيزي في هذه الحياة، وهو لا يعني الاستسلام، ولكن من رضي فله الرضى ومن سخط فعليه السخط ولن يتغير شيء بسبب سخطه.
ودمت بكل خير ووعي وسكينة.
اقرأ أيضا:
الزواج ليس نهاية الحكاية .. 7 أشياء يبحث عنها الرجل في المرأةاقرأ أيضا:
قواعد الحزن السبعة.. هكذا تواجهها