من كمال الإيمان وتمام التوحيد هي يقين العبد بأن ربه هو الرزاق القوي المتين، وأن الرزق كله بيد الله، لطالما كان العبد ملتزما بفريضة السعي على الرزق، والتوكل على الله، متيقنا بأن التوفيق بيد الله وحده، ولكن الله اشترط شرطا واحد لكي يسد فقرك ويغنيك، وهو ما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقْرَكَ وَإِلَّا تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلًا وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ).
فحقيقة مهمة جداً هي أن هناك أعمالاً لها أثر في المستقبل، و هناك أعمالاً لا أثر لها في المستقبل إطلاقاً، فلو أنك آمنت بالله، لو أنك تعرفت عليه، لو أنك فكرت في ملكوت السموات و الأرض، لو أنك تعرفت إلى منهج الله، وحملت نفسك على طاعته، هذا عمل، لكن أثره المستقبلي جنة عرضها السموات و الأرض إلى أبد الآبدين، بينما كل أعمال الدنيا مهما ارتقت تنتهي بالموت، مهما بلغت من مكان رفيع، مهما بلغت من ثروة طائلة، مهما بلغت من عز الدنيا، لابد من أن توضع في القبر، فالذي يحصله الإنسان في عمر مديد يخسره في ثانية واحدة.
نحن ننتظر مرور أيام قليلة على شهر رمضان، شهر العبادة، و لا ندري أنعيش إلى رمضان آخر؟ و من عدّ غداً من أجله فقد أساء صحبة الموت، فلذلك هذا الوقت الثمين الذي هو أنت، الذي هو رأسمالك، الذي هو أثمن ما تملكه، هذا الوقت الثمين ينفق على طريقتين: إما ينفق استهلاكاً كاللعب واللهو، مهما استمتعنا بالحياة، و جلسنا في بيوت جميلة، و انتقلنا إلى أماكن جميلة، و أكلنا أطايب الطعام، و استمتعنا بكل ملذات الحياة، يأتي ملك الموت ليأخذ منا كل شيء.
اقرأ أيضا:
الخلوات ترفع أقوامًا وتضع آخرين..هكذا ترتقي خلالها وتحصل أعظم الأجر والمغفرةأما الطريق الثاني هو طريق العمل والعبادة، فيومك إن خلا من زيادة علم بالله، و من عمل صالح تتقرب به إلى الله، و من دعوة إلى الله بشكل أو بآخر، و من صبر عن معصيته، و على طاعته، و على قضائه و قدره، فهذا اليوم خسارة ولو حققت ربحاً مادياً، لأن الله هو الذي يعلم، و الله يعلم و أنتم لا تعلمون.
فالله عز وجل يقول لعباده "يابن آدم تفرغ لعبادتي"، فكما أن للمال زكاة للوقت أيضاً زكاة، إن أنفقت زكاة مالك حفظ الله لك بقية مالك، و إن أنفقت زكاة وقتك حفظ الله لك بقية وقتك، و بارك الله لك في وقتك.
إن لله عملاً في النهار لا يقبله بالليل، و إن لله عملاً في الليل لا يقبله بالنهار، الآن إذا أديت زكاة وقتك فاقتطعت من وقتك وقتاً لعبادتك، لأداء الصلوات الخمس بإتقان، لقراءة القرآن، لدعوة إلى الله، لعمل صالح، لصلة ذوي القربى، لخدمة المؤمنين، أنت حينما تعمل عملاً صالحاً تنفق الوقت استثماراً.
وقتها تحس أن الله معك، و إذا كان الله معك فمن عليك؟ تحس أنك وصلت إلى كل شيء، ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، و أنا أحب إليك من كل شيء.
ويقول الله تعالى: "﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾[ سورة الليل: 5-7 ].
ويقول الله تعالى على لسان العبد الذي خسر كل شيئ﴿ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾[سورة الزمر: 56].
((يَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقْرَكَ وَإِلَّا تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلًا وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ)).
أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، لأنك من خوف الفقر في فقر، و من خوف المرض في مرض، و توقع المصيبة مصيبة أكبر منها، أما الذي يتفرغ لعبادة الله فيملأ الله له صدره بالغنى، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، تأتي الأمور كما تريد، الأمور ميسرة، وَإِلَّا تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلًا وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ.