محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ليست من الأمور الثانوية والمكملة للإيمان كما يراها البعض لكنها من أصل الدين فمحبة الله ورسوله واجبة على كل مؤمن ومؤمنة.
ومع رسوخ هذه الحقيقة في كيان مسلم يدرك أنه لا مجال إليه في قول حب النبي أو رفضه .. حتى إنه سألت أي مسم هل تحب الرسول لبادر دون تفكير بالإيجاب نعم أحبه وكيف لا يحبه وهو الذي رسخ قيم العدل والإنسانية وحمى الإنسان بغض النظر عن دينه وعرقه من شر نفسه.
هؤلاء يرفضون دخول الجنة:
ومع وضوح هذه الرؤية وهذه العقيدة الثابتة في كيان كل مسلك نرى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يخبر عن أناس يرفضون دخول الجنة ففي الحديث : ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبي.. قالوا: ومن يأبى يا رسول الله. قال: من أطاعني دخل الجنّة، ومن عصاني فقد أبى))، وهذا الحديث يضع علامة فاصلة لمن يحب الرسول ممن يدعي ذلك فالمحبة تعن الإذعان والطاعة و لاتقف عن حد الادعاء الأجوف.
أدلة المحبة لرسول الله:
وهناك عدة ادلة تثبت صدق محبة المسلم لرسول الله ذكرها د. عادل هندي الأستاذ بجامعة الأزهر، ومنها قراءة سيرة النبيّ r ودراستها وتتبّع أحواله وأخباره؛ وهذا هو أعظم تفسير لمحبة الصحابة للرسول؛ لأنهم رأوْه وعاشوا معه أحداث الحياة، ورأوْا بأعينهم وقلوبهم كيف كان هو الرسول الإنسان؛ وإنك على قدر قراءتك وتعلّقك به على قدر ما يزداد الحب في قلبك، فمن يحب أحدًا يُكثر من الحديث والقراءة عنه، وهذا طبع المحبين، فتجد لسانك يُكثر من الصلاة عليه ونشـر سيرته بين الناس؛ حبًّا وقُربًا.. وتلك المعايشة أقل ما ينبغي في حق ارتباطنا به عليه السلام.
ومن أدلة محبته - عليه الصلاة والسلام - صدق (الاتباع)؛ وليس اتباع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ادعاءً باللسان، أو حديثا بالبيان، أو تظاهرًا وتمايلا بالأبدان؛ إنما هو تلمذة وشوق وسير وسلوك وجهاد.. قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].
الاتباع دليل على محبتك لرسول الله:
ويضيف: أن مقتضى الحب الاتباع بأن تطيعه فيما أمر به وتنتهي عمّا نهى عنه، وذلك بالاستجابة لما أمرك به على ما يأمرك به أصدقاؤك أو يفتيك به عقله وهواك. ويقول سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7].
ويستطرد: وأيضا إيثار أمره على هواك وعقلِك: ولعلك تذكر معي موقف حذيفة بن اليمان؛ حين أرسله النبي يوم الأحزاب كعيْن على المشركين في الجهة المقابلة للخندق أثناء المعركة، وقال له: (لا تُحدث في القوم شيئًا)، وكان أقرب ما يكون عندما ذهب من أبي سفيان، وكان يستطيع أن يقتله ويضربه، لكنه تذكّر أمر الرسول (ولا تُحدث فيهم شيئًا) فآثر أمر الرسول على رغبته وعقله ورأيه.. وهكذا ينبغي علينا جميعا أن نؤثر ما يأمرنا به r في ديننا وعلاقتنا بربنا جل جلاله؛ فهو لا شك يعرف أكثر منّا، وما ينطق عن هواه أو عقله (إن هو إلا وحيٌ يوحي)..
التخلق بأخلاقا لرسول:
التخلق بهديه في شكله وكلامه ولفظه وحركاته، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]. وهو القائل: إنما بعثت لأتمم مكارم –محاسن- صالح الأخلاق... فلنلتزم بأخلاقه.
ومن ثمرات محبتك لرسول الله أن تكثر من الصلاة عليه e؛ فالصلاة قربى، وإذا كان الله يصلي عليه والملائكة كذلك، فقد أمرنا بالصلاة عليه: (صلُّوا عليه وسلّموا عليه تسليما).. ومن الأدب توقيره عند الحديث عنه، بتقديم السيادة له والصلاة عليه دائمًا؛ فهو ليس كأي أحد، وليس أقل مقامًا أو قيمة من معالي أو فضيلة أو سيادة أي إنسان..
ويذكر د. هندي أنه مما يدلل على فضل الصلاة عليه وأثرها في حياة المسلم والمسلمة، ما ورد عن أُبي بن كعبt قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ذهب ثُلثُا الليل قام فقال: ((يا أيها الناس، اذكروا الله، اذكروا الله، جاءت الراجفة تَتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه))، قال أُبي: قلت: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ((ما شئتَ))، قال: قلت: الرُّبع؟ قال: ((ما شئت، فإن زدت، فهو خيرٌ لك))، قلت: النصف؟ قال: ((ما شئت فإن زدت، فهو خيرٌ لك))، قال: قلت: فالثلثين؟ قال: ((ما شئت، فإن زدت، فهو خيرٌ لك))، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: ((إذًا تُكفى همَّك، ويُغفَر لك ذنبُك))؛ رواه الترمذي..
تمنِّي رؤيته والشوق إليه: وتلك بعض مشاعر المحبة، وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ] رواه مسلم.