كثير من الناس يجد نفسه مضطربا في علاقته مع شريكه، أو مع أحد عماله وموظفيه، نتيجة تواضع أدائه في العمل، حيث يعتقد البعض أن العمل الذي يؤديه أكبر من عمل شريكه، خاصة إذا كانت الشركة ناجحة، ودخل فيها الشيطان، ليفسد على الشريكين رزقهما، ببث وساوسه في قلب وعقل كل شريك تجاه الأخر، فيتحرك الطمع والحسد، بين الشريكين، ليستأثر بالشركة لنفسه، ظنا منه أنه السبب الرئيس في نجاح هذه الشركة، وبالتالي فهو أحق الناس بهذا النجاح وهذا المكسب، ونمن ثم تتحرك دوافعه لفض الشركة، أو فصل أحد عمالها، ليفاجأ بنتائج عكسية لم يجر لها حسابا.
وفي هذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا السلوك، ألا وهو الطمع، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ أَخَوَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآخَرُ يَحْتَرِفُ فَشَكَا الْمُحْتَرِفُ أَخَاهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ.[رواه الترمذي بإسناد صحيح على شرط مسلم].
و معنى يحترف أي يكتسب و يتسبب لرزقه ، الاحتراف اتخاذ الحرفة وسيلة لكسب الرزق.
فالنبي عليه الصلاة و السلام كان على عهده أخوان ، يبدو أنهما أخوان و شريكان و شريكان في عمل ، فكان الأول يمضي وقته في دكانه، أو في مكان حرفته ، والثاني يعاونه ولكن يكثر في أن يأتي النبي عليه الصلاة و السلام ، هذا الذي يكثر من المجيء عند النبي عليه الصلاة و السلام ليطلب العلم ، فكأن الأول شكا إلى النبي عليه الصلاة و السلام أنّ جهد الثاني أو جهد أخيه لا يكافؤه ، لا يساويه ولا يوازيه ، فالنبي عليه الصلاة و السلام ما زاد على أن قال للأول الذي يمضي كل وقته في دكانه ، والذي هو متألِّم من أخيه الذي يأتي النبيَّ عليه الصلاة و السلام لطلب العلم ، النبي عليه الصلاة و السلام ما زاد على أن قال :(( لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ)).
هذا الحديث فيه دقة بالغة ، لأن الذي يطلب العلم ، إنما يطلبه لغيره ، يتعلم ليعلِّم ، فنفعه يعم الأمة ، لذلك النبي بارك عمل الثاني في أنه يأتي النبيَّ عليه الصلاة والسلام ليطلب العلم ، وطمأن الأول أن الله عز وجل سوف يؤجرك لتساهلك مع أخيك ، و كأنك شريكه في الأجر ، وكأن لك حصة مما يتعلم ، لأنك تبذل جهدا أكبر من جهده ، وهو يبذل جهدا ليتعلم ويعلِّم ، فلعلك تُرزق به.
والبركة في التجارة بين الشركاء إنما تكون في الصدق وعدم الخيانة، قال الله تعالى: وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ [صّ: 24].
اقرأ أيضا:
10فضائل لصدقة التطوع علي الفرد والمجتمع ..ولهذا تعد الصدقة الجارية أعظم أجراولا شك أن الظلم والخيانة في الشراكة محق لبركتها.
وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإن خانه خرجت من بينهما .
فقوله أنا ثالث الشريكين أي معهما بالحفظ والبركة وتيسير الرزق ونحو ذلك، وقوله: خرجت من بينهما: أي أزلت البركة والعناية بهما في شراكتهما.
وفي الحديث الآخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم : البيعان بالخيار ما لم يتفرقا. أو قال: حتى يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما. متفق عليه.
ويدل الحديث على فضل الشركات وبركتها، إذا بنيت على الصدق والأمانة. فإن من كان الله معه بارك له في رزقه، ويسر له الأسباب التي ينال بها الرزق، رزقه من حيث لا يحتسب، وأعانه وسدده.
وذلك: لأن الشركات يحصل فيها التعاون بين الشركاء في رأيهم وفي أعمالهم. وقد تكون أعمالاً لا يقدر عليها كل واحد بمفرده، وباجتماع الأعمال والأموال يمكن إدراكها.والشركات أيضاً يمكن تفريعها وتوسيعها في المكان والأعمال وغيرها.
فإن الغالب أنها يحصل بها من الراحة ما لا يحصل بتفرد الإنسان بعلمه. وقد يجري ويدير أحدهما العمل مع راحة الآخر، أو ذهابه لبعض مهماته، أو وقت مرضه. وهذا كله مع الصدق والأمانة. فإذا دخلتها الخيانة ونوى أحدهما أو كلاهما خيانة الآخر، وإخفاء ما يتمكن منه خرج الله من بينهما. وذهبت البركة. ولم تتيسر الأسباب. والتجربة والمشاهدة تشهد لهذا الحديث.