وقد اتفق الفقهاء على أنه يستحب إخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد؛ للأمر الوارد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يخطب قبل الفطر بيومين، فيأمر بإخراجها قبل أن يغدو إلى المصلى، وقال: «أَغْنُوهُمْ -يَعْنِي الْمَسَاكِينَ- عَنْ طَوَافِ هَذَا الْيَوْمِ»، واتفقوا كذلك على جواز إخراجها في يوم العيد قبل الصلاة، إلا أن بعضهم قال بكراهة التأخير لما بعد الصلاة.
وقد اتفق الفقهاء على أنها لا تسقط بخروج وقتها، إلا أنهم اختلفوا في إخراجها بعد يوم العيد هل يكون أداء أم قضاء؟
فيرى بعض الحنفية أن إخراجها بعد يوم العيد هو قضاء، ويرى بعضهم أنها تكون أداء، وهو الأصح في المذهب؛ لأن الوقت عندهم موسع.
قال العلامة أبو بكر علاء الدين السمرقندي الحنفي في "تحفة الفقهاء" (1/ 340، ط. دار الكتب العلمية): [أما وقت الأداء فهو يوم الفطر من أوله إلى آخره، ثم بعده يسقط الأداء ويجب القضاء عند بعض أصحابنا، وعند بعضهم وهو الأصح أنها تجب وجوبًا موسعًا] اهـ.
وقال العلامة أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني في "الأصل المعروف بالمبسوط" (2/ 258، ط. إدارة القرآن والعلوم الإسلامية): [قلت: أرأيت الرجل إن أخر صدقة الفطر حتى مضى يوم الفطر هل يجب عليه أن يؤديها بعد ذلك؟ قال: نعم، قلت: فإن كان شهرًا أو أكثر من ذلك، قال: وإن كان سنتين] اهـ. وذلك لأنها قربة مالية معقولة المعنى فلا تسقط بعد الوجوب إلا بالأداء كالزكاة، فقاسوها على الزكاة؛ لأن الزكاة غير مقيدة بوقت، فإذا أخرجها في أي وقت، كان مؤديًا.
اقرأ أيضا:
هل تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على ذنب آخر؟أما غيرهم من فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة ومن وافقهم من فقهاء الحنفية فيرون أن مؤخِّرَها بعد الوقت بلا عذر آثمٌ؛ لمخالفته المعنى المقصود، وهو الإغناء عن السؤال في يوم العيد، وقاسوها على الأضحية؛ حيث إنهم يرون كلًّا منهما عبادة متعلقة بزمن، فإذا خرج وقتها كانت قضاء، ويرون أنه في كل الأحوال يجب القضاء؛ قال العلامة أبو البركات الدردير في "الشرح الصغير" (1/ 678، ط. دار المعارف): [ولا تسقط زكاة الفطر عن غني بها وقت الوجوب بمضي زمنها بغروب شمس يوم العيد، بل هي باقية في ذمته أبدًا حتى يُخرجها] اهـ.
وبناءً على ذلك: فالمُستحبُّ لدى جميع الفقهاء إخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد؛ للأمر الوارد بذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولحصول الإغناء المأمور به للفقير، فلا يشتغل يوم العيد بالسؤال، ويجوز كذلك إخراجها في يوم العيد بعد الصلاة وإن كره بعضهم التأخير، ويجوز أيضًا تأخيرها عن يوم العيد لمن لم يتمكن من الإخراج فيه بعذر أو بلا عذر على ما ذهب إليه بعض فقهاء الحنفية، وإن كان الأولى عدم التأخير بغير عذر؛ لأن الخروج من الخلاف مستحبٌّ.